إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

..:: فتاوى أهل السنة والجماعة في عقيدة وحدة الوجود وأهلها ::.. [ جزء من بحث خاص ]

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ..:: فتاوى أهل السنة والجماعة في عقيدة وحدة الوجود وأهلها ::.. [ جزء من بحث خاص ]

    فتاوى أهل السنة والجماعة في عقيدة وحدة الوجود وأهلها

    [ الشيرازيون تحت المجهر ]



    بسم الله الرحمن الرحيم


    بعد أن استوفينا فيما مضى أقوال المتألهين من الروافض ورؤوس الوجودية وهي المسألة التي أخذ بها ( الشيرازيون ) نقطة حاسمة في التعامل مع أقرانهم من الروافض وشاكلتهم ..
    ها نحن الآن أمام مسألة قول أهل العلم في هذه العقيدة الشيطانية ..
    فقد حاولت قدر الإمكان جمع فتاوى علماء السنة في المسألة وحكم القائلين بها ..
    وحتى لا أطيل عليكم سوف يكون إنزالي لهذا الفصل بشكل حلقات أربع تنزل الواحدة تلو الأخرى بإذنه تعالى ..
    1- عقائد وشبه .
    2- عقيدتهم بـ ( لا إله إلا الله ) .
    3- عقيدتهم بصفات الله سبحانه وتعالى .
    4- تكفير علماء السنة لأتباع هذه العقيدة .
    وستقسم الحلقة الواحدة إلى اقسام خوف الإطالة والملل ..

    يتبع بإذنه تعالى ..
    التعديل الأخير تم بواسطة ضياء بن محفوظ الشميري; الساعة 23-04-2008, 01:30 AM.

  • #2
    وفقك الله يا اخانا ضياء

    تعليق


    • #3
      :::::::::::
      حياك الله أخانا ، وبارك الله فيك
      :::::::::::

      تعليق


      • #4
        عقائد وشبه


        القسم الأول

        تعريف وأقوال

        (1)








        المقصود بوحدة الوجود : أنَّه ليس هناك موجود إلا الله وليس في الكون وما فيه من الظواهر التي نراها إلا مظاهر لحقيقة واحدة هي الحقيقة الإلهية وأن الخالق هو عين المخلوق والمخلوق عين الخالق .

        ( تعالى الله عن ذلك ) .

        يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : ( والقائلون بوحدة الوجود يقولون ‏:نفس وجود العبد هو نفس وجود الرب ) .‏


        وقال أيضا كما في [ الفتاوى المجلد الحادي عشر : ( معناه أن وجود الكائنات هو عين وجود الله تعالى وليس وجودها غيره ولا شيء سواه البتة ) .


        فيكون بذلك كل موجود عابداً لنفسه ، شاكراً لنفسه ، حامداً لنفسه .


        وقد تكلّم شيخ الإسلام رحمه الله عن هؤلاء المسخ في كل موضع يأتي فيه عفن الإلحاد بل خص لهم رسالة اسماها [ حقيقة مذهب الاتحاديين أو وحدة الوجود ] وكذلك [ رسالة إلى نصر المنبجي ] .


        جاء في [ جامع المسائل ] من المجلد الثاني أن ابن عربي يجعل الأعيان ثابتة في العدم ، ويصرح بأنّ الله لم يعط أحداً شيئاً وأنّ جميع ما للعباد فهو منهم لا منه وهو مفتقر إليهم لظهور وجوده في أعينهم وهم مفتقرون إليه لكون أعيانهم ظهرت في وجوده !
        فالربّ إن ظهر فهو العبد ، والعبد إن بطن فهو ربّ .
        فتجده يقول : " لا تحمد ولا تشكر إلا نفسك ، فما في أحد من الله شيء ولا في أحد من نفسه شيء " .
        وكذلك : " إنه يستحيل من العبد أن يدعوه لأنه يشهد أحدية العين فالداعي هو المدعو فكيف يدعو نفسه " ؟!.
        وختم بأن : " هذا هو خلاصة غاية الغاية فما بعد هذا شيء " .


        قلت ( ضياء) : ابن عربي جاء حكمه خلاف الفطرة في قوله الأخير ، لذا فتساؤله يجاب عليه بأن بعد خلاصة غايته التي يتفاخر بها ( الحق ) ..
        نعم ، فهو يقبع في ضلال والعياذ بالله ويسأل أبعد هذا الحق شيء ؟! ..
        ] فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون [ .


        سُئل الشيخ الوالد ربيع بن هادي المدخلي عن الفرق بين الحلول ووحدة الوجود .

        فأجاب حفظه الله تعالى : ( الحلول فيه مغايرة بين الحال والمحلّ فيقول كالنصارى : ( الله حلّ في عيسى ) ومثل الحلاّج يقول : ( الله حلّ فيّ ) يعني الله حلّ في شخص معين يغاير بين الخالق والمخلوق ويجعل الله حالاًّ في هذا المخلوق هذا كفر وزندقة !

        وأكثر منه كفرا وزندقة هو الاتّحاد وهو اعتقاد أن ليس هناك فرق بين الخالق والمخلوق متحدّين مثلاً : ( كما يمزج الماء باللبن ) تستطيع أن تفرق بينهما ؟!
        اتّحاد بهذا الشكل يقولون : ( فالله متّحد بالخلق ) ( لا فرق بين الخالق والمخلوق ) ( الله هو الخالق والمخلوق هو الخالق ) هذا هو الاتّحاد وذاك هو الحلول كما قلت لكم "وكلاهما إلحاد وزندقة " ) .إهـ


        يقول شيخ الإسلام في [ شرح العقيدة الأصفهانية ] صحيفة 126 : ( قال تعالى: ] وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ [ وقال عز وجل : ] الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [ بل لما ثبت أن الله خالق كل شيء فيجب أن يكون على قولهم كل كلام في الوجود كلامه وقد أفصح بذلك الاتحادية الذين يقولون الوجود واحد كابن عربي صاحب الفصوص ونحوه وقالوا : وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه .

        ومذهبهم منتهى مذهب الجهمية وهو في الحقيقة تعطيل الخالق والقول بأن هذا الوجود هو الوجود الواجب كما ذكر ذلك أبو حامد عن دهرية الفلاسفة .
        فإن قول هؤلاء هو قول أولئك وهو قول فرعون الذي أظهره ، لكن فرعون وغيره من الدهرية لا يقولون هذا الوجود هو الله ، وهؤلاء بجهلهم يقولون إن الوجود هو الله وقد أضلوا طوائف من الشيوخ الذين لهم عبادة وزهادة .

        حتى أنه كان ببيت المقدس رجل من أعبد الناس وأزهدهم وكان طوال ليله يقول : " الوجود واحد وهو الله ولا أرى الواحد ولا أرى الله ".

        وهؤلاء سلكوا في كثير من أصولهم ما ذكره أبو حامد وبنوا على ما في كتابه المضنون به وغيره من أصول الفلاسفة المكسوة عبادة الصوفية فالأمور التي أنكرها عليه علماء المسلمين ما عليها هؤلاء حتى جعل ابن سبعين الناس خمس طبقات أدناها الفقيه ثم المتكلم الأشعري ثم الفيلسوف ثم الصوفي ثم الخامس هو المحقق وهؤلاء يجعلون ما أشار إليه أبو حامد من الكشف هو ما حصل لهم وإنه لتعبده بالشريعة لم يصل إلى القول بوحدة الوجود وهم ينتقصونه بما يحمده عليه المسلمون من الأقوال التي اعتصم فيها بالكتاب والسنة وبالأقوال التي يعلم صحتها بصريح العقل ، ويرون أن ذلك هو الذي حجبه عن أن يشهد حقيتهم التي هي وحدة الوجود وإنما طمعوا فيه هذا الطمع لما وجدوه في الكلام المضاف إليه مما يوافق أصول الجهمية المتفلسفة ونحوهم ).

        وهنا إنصاف شيخ الإسلام لأبي حامد رحمهما الله ، والذي أتخذه المتصوفة وكثير من الوجودية مرجعا لهم في كثير من الفلسفيات ..

        لكن الهوى الذي في رؤوسهم منعهم أن يأخذوا ما كان يعتمده الإمام الغزالي رحمه الله من أقوال و ثوابت شرعية من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم .
        فالله المستعان .


        وفي باب تصنيف عقائدهم فيقول رحمه الله كما في [ الرد على المنطقيين ] صحيفة 522 وفي [ بغية المرتاد ] أيضا صحيفة 446 : ( لهذا ذكر ابن عربي في الفتوحات له أربع عقائد : الأولى : عقيدة أبي المعالي وأمثاله مجرّدة عن الحجة، ثمّ هذه العقيدة بحجتها، ثمّ عقيدة الفلاسفة، ثمّ عقيدة المحققين .

        وذلك أنّ الفيلسوف يُفرّق بين الوجود والممكن والواجب ، وهؤلاء يقولون : ( الوجود واحد ) ، والصوفي الذي يُعظّمه هؤلاء هو الصوفي الذي عظّمه ابن سينا، وبعده المحقق ) .إهـ


        ويقول رحمه الله كما في [ الصفدية ] : ( لهذا ذكر ابن عربي في أول الفتوحات ثلاث عقائد : عقيدة مختصرة من إرشاد أبي المعالي بحججها الكلامية ، ثمّ عقيدة فلسفيّة ؛ كأنّها مأخوذة من ابن سينا وأمثاله ، ثمّ أشار إلى اعتقاده الباطن الذي أفصح به في فصوص الحكم ؛ وهو وحدة الوجود، فقال: وأمّا عقيدة خلاص الخاصّ فتأتي مفرقة في الكتاب ) .

        قلت ( ضياء ) : يقصد شيخ الإسلام بقوله : ( عقيدة خلاص الخاصّ فتأتي مفرقة في الكتاب ) هي عقيدة المحققين التي ذكرها في بغية المرتاد ..


        وجاء تحت عنوان "حكم الاتحادية ومن اعتذر عنهم " في كتاب توحيد الربوبية من [ مجموع الفتاوى ] قوله رحمه الله : ( وأفضل ما نطق به الناطقون هو التوحيد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله)‏ ، وقال‏:(‏ من كان آخر كلامه لا إله إلا اللّه دخل الجنة)‏ ، لكن التوحيد الذي يشير إليه هؤلاء الملاحدة ـ وهو وحدة الوجود ـ أمر ممتنع في نفسه ، لا يتصور تحققه في الخارج .

        فإن الوحدة العينية الشخصية تمتنع في الشيئين المتعددين ، ولكن الوجود واحد في نوع الوجود .

        بمعنى: ‏أن اسم الموجود اسم عام يتناول كل أحد، كما أن اسم الجسم والإنسان ونحوهما يتناول كل جسم وكل إنسان، وهذا الجسم ليس هو ذاك، وهذا الإنسان ليس هو ذاك، وكذلك هذا الوجود ليس هو ذاك )‏.‏


        ويقول تلميذه النجيب الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى كما في الجزء الثالث من [ الصواعق المرسلة ] صحيفة 932 : ( التوحيد الرابع : توحيد القائلين بوحدة الوجود وأن الوجود عندهم واحد ليس عندهم وجودان قديم وحادث وخالق ومخلوق وواجب وممكن بل الوجود عندهم واحد بالعين والذي يقال له الخلق المشبه هو الحق المنزه والكل من عين واحدة بل هو العين الواحدة ) .


        يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ رحمه الله كما في [ منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس ] صحيفة 277 : ( وأصل الشرك وقاعدته التي يرجع إليها هو التعطيل ، وهو ثلاثة أقسام : تعطيل المصنوع عن صانعه، وخالقه ، وتعطيل الصانع سبحانه وتعالى عن كماله بتعطيل أسمائه وأوصافه وأفعاله، وتعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد .

        ومن هذا شرك طائفة أهل وحدة الوجود الذين يقولون " ما ثمّ خالق ومخلوق ، ولا ها هنا شيئان ".

        بل الحقّ المنزه هو عين الخلق المشبه ومنه شرك الملاحدة القائلين بقدم العالم وأبديته : وإن لم يكن معدوماً أصلاً .

        بل لم يزل ولا يزال والحوادث بأسرها مستندة عندهم إلى أسباب ووسائط ، اقتضت إيجادها ، فسموها العقول والنفوس ومن هذا شرك ومن عطل أسماء الرب تبارك وتعالى ، وأوصافه وأفعاله من غلاة الجهمية والقرامطة ، فلم يثبتوا له اسماً ولا صفة ، بل جعلوا المخلوق أكمل منه ، إذ كمال الذات بأسمائها وصفاتها ) .


        ويقول ابن القيم رحمه الله في الجزء الثاني من [ الصواعق المرسلة ] بعد أن عدد بعض الطوائف الضالة وجاء عند ذكر هؤلاء على صيغة استفهام وتقرير وإلزام كما في صحيفة 791 حيث قال : ( أم عقول الاتحادية القائلين بوحدة الوجود فكل هؤلاء وأضعافهم وأضعاف أضعافهم يدعي " أن المعقول الصريح معه وأن مخالفيه خرجوا عن صريح المعقول" وهذه عقولهم تنادي عليهم في كتبهم وكتب الناقلين عنهم ولولا الإطالة لعرضناها على السامع عقلا عقلا وقد عرضها المعتنون بذكر المقالات فاجمعوها إن استطعتم أو خذوا منها عقلا واجعلوه ميزانا لنصوص الوحي وما جاءت به الرسل وعيارا على ذلك ثم اعذروا بعد من قدم كتاب الله وسنة رسوله الذي يسمونه الأدلة اللفظية على هذه العقول المضطربة المتناقضة بشهادة أهلها وشهادة أنصار الله ورسوله عليها وقال إن كتاب الله وسنة رسوله يفيد العلم واليقين وهذه العقول المضطربة المتناقضة إنما تفيد الشكوك والحيرة والريب والجهل المركب فإذا تعارض النقل وهذه العقول أخذ بالنقل الصريح ورمي بهذه العقول تحت الأقدام وحطت حيث حطها الله وحط أصحابها ) .


        ويقول رحمه الله كما في الجزء الأول من [ مدارج السالكين ] صحيفة 60 :( فالعارفون أرباب البصائر يستدلون بالله على أفعاله وصنعه إذا استدل الناس بصنعه وأفعاله عليه ولا ريب أنهما طريقان صحيحان كل منهما حق والقرآن مشتمل عليهما .

        فأما الاستدلال بالصنعة فكثير ، وأما الاستدلال بالصانع فله شأن وهو الذي أشارت إليه الرسل بقولهم لأممهم ] أَفِي اللَّهِ شَكّ[ أي أيشك في الله حتى يطلب إقامة الدليل على وجوده ؟ وأي دليل أصح وأظهر من هذا المدلول فكيف يستدل على الأظهر بالأخفى ؟ ثم نبهوا على الدليل بقولهم ] فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض[.

        وسمعت شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية قدس الله روح يقول : " كيف يطلب الدليل على من هو دليل على كل شيء ؟ " .

        وكان كثيرا ما يتمثل بهذا البيت : وليس يصح في الأذهان شيء ::::::: إذا احتاج النهار إلى دليل
        ومعلوم أن وجود الرب تعالى أظهر للعقول والفطر من وجود النهار ومن لم ير ذلك في عقله وفطرته فليتهمها .

        وإذا بطل قول هؤلاء بطل قول أهل الإلحاد القائلين بوحدة الوجود وأنه " ما ثم وجود قديم خالق ووجود حادث مخلوق بل وجود هذا العالم هو عين وجود الله وهو حقيقة وجود هذا العالم " فليس عند القوم رب وعبد ولا مالك ومملوك ولا راحم ومرحوم ولا عابد ومعبود ولا مستعين ومستعان به ولا هاد ولا مهدي ولا منعم ولا منعم عليه ولا غضبان ومغضوب عليه بل الرب هو نفس العبد وحقيقته والمالك هو عين المملوك والراحم هو عين المرحوم والعابد هو نفس المعبود وإنما التغاير أمر اعتباري بحسب مظاهر الذات وتجلياتها فتظهر تارة في صورة معبود كما ظهرت في صورة فرعون وفي صورة عبد كما ظهرت في صورة العبيد وفي صورة هاد كما في صورة الأنبياء والرسل والعلماء والكل من عين واحدة بل هو العين الواحدة فحقيقة العابد ووجوده أو إنيّته هي حقيقة المعبود ووجوده وإنيّته ، والفاتحة من أولها إلى آخرها تبين بطلان قول هؤلاء الملاحدة وضلالهم ).


        ويقول رحمه كما في [ شفاء العلل ] صحيفة 307 : ( الممتنعات الخارجة وتظنه واجب الوجود وليس هو ممكن الوجود فضلا عن وجوبه وبهذا يتبين أن الجهمية وإخوانهم من القائلين بوحدة الوجود ليس لهم إله معين في الخارج يألهونه ويعبدونه بل هؤلاء ألهوا الوجود المطلق الكلي وأولئك ألهوا المعدوم الممتنع وجوده وأتباع الأنبياء إلههم الله الذي لا إله إلا هو الذي خلق الأرض والسماوات العلى الرحمن على العرش استوى له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى هو الذي فطر القلوب على محبته والإقرار به وإجلاله وتعظيمه وإثبات صفات الكمال له وتنزيهه عن صفات النقائص والعيوب وعلى أنه فوق سماواته بائن من خلقه تصعد إليه أعمالهم على تعاقب الأوقات وترفع إليه أيديهم عند الرغبات يخافونه من فوقهم ويرجون رحمته تنزل إليهم من عنده فهممهم صاعدة إلى عرشه تطلب فوقه إلها عليا عظيما قد استوى على عرشه واستولى على خلقه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرض إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم والمقصود أنه إذا لم يكن في الحسيات الخارجة عن الأذهان ما هو مراد لذاته لم يكن فيها ما يستحق أن يأله أحد فضلا أن يكون فيها ما يجب أن يألهه كل أحد فتبين أنه لا بد من إله معين هو المحبوب المراد لذاته ومن الممتنع أن يكون هذا غير فاطر السموات والأرض وتبين أنه لو كان في السموات والأرض إله غيره لفسدتا وأن كل مولود يولد على محبته ومعرفته وإجلاله وتعظيمه وهذا دليل مستقل كاف فيما نحن فيه وبالله التوفيق، تم الكتاب والحمد الله ).


        ويقول شيخ الإسلام في الجزء الأول من [ بيان تلبيس الجهمية ] صحيفة 71 : ( ولهذا يوجد من الجهمية النفاة من يعتقد أن الله هو الوجود المطلق وأنه وجود الموجودات أنفسها وأنه بنفسه في كل مكان وأن وجود الموجودات كلها وجود واحد ويقولون بوحدة الوجود في الخارج وأنه عين ذلك الوجود ونحو ذلك من الاعتقادات التي يقولون إنها حصلت لهم بالكشف والمشاهدة وهي خيالات وأوهام باطلة إما أن لا يكون لها حقيقة في الخارج أو يكون لها حقيقة لكن تكون هي أمر مخلوق لا تكون هي الخالق سبحانه وكما يتخيلون ويتوهمون أنه لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوق ولا تحت ولا كذا ولا كذا مما هو عند أهل العقول السليمة خيالات باطلة وأوهام فاسدة لا تنطبق إلا على المعدوم بل على الممتنع ولهذا يوجد في هؤلاء من يعبد المخلوقات ومن يعتقد في كثير من المخلوقات أن الله أضعاف أضعاف ما يوجد في أهل الإثبات كما قد رأينا وسمعنا من ذلك ما لا يسع هذا المكان ذكر عشره فلهذا هم أعظم الناس اختيالا وكيدا حيث يختال أحدهم في نفسه أنه الله ويعظمون فرعون في قوله: ] أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [ ] مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [ ونحو ذلك من الاختيال الباطل الذي هو أفسد اختيال وأعظم فرية على الله تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ).


        يقول شيخ الإسلام رحمه الله في الجزء الثاني من [ الجواب الصحيح ] صحيفة 488 : ( والقائلون بوحدة الوجود قد يجعلون الخالق مع المخلوقات كالصورة مع الهيولي كما يشير إليه ابن سبعين ويقول : " هو في الماء ماء وفي النار نار وفي كل شيء بصورة ذلك الشيء " كما قد بسط الكلام على هؤلاء في مواضع غير هذا الكتاب ).

        قلت ( ضياء ) : الهيلولي : مصطلح فلسفي يونانية نقلت بلفظها إلى العربية وإلى بقية اللغات ، ويقصد به ( مصدر الأشياء ) وهو واضح من قول ابن سبعين الذي أورده شيخ الإسلام رحمه الله آنفا ..


        يقول رحمه الله في نفس الكتاب صحيفة 597 يورد شبههم ويردها بسلاحهم :
        ( وهؤلاء ظنوا أنهم يقرون بالخالق وأن الوجود المخلوق هو الخالق وقد بسط الكلام على هؤلاء في آخر هذا الكتاب .

        وهؤلاء لهم شعر نظموا قصائد على مذهبهم كابن الفارض في قصيدته المسماة " بنظم السلوك " حيث يقول :

        لها صلواتي بالمقام أقيمها وأشهد فيها أنها لي صلت
        كلانا مصل واحد ساجد إلى حقيقته بالجمع في كل سجدة
        وما كان لي صلى سواي ولم تكن صلاتي لغيري في أدا كل ركعة


        إلى أن قال :
        وما زلت إياها وإياي لم تزل ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبب


        وقوله :
        إلى رسولا كنت مني مرسلا وذاتي بآياتي علي استدلت
        فإن دعيت كنت المجيب وإن أكن منادى أجابت من دعاني ولبت
        وقد رفعت ياء المخاطب بيننا وفي رفعها عن فرقة الفرق رفعت


        إلى أمثال هذه الأبيات .


        وكذلك ابن إسرائيل في شعره قطعة من هذا كقوله :
        وما أنت غير الكون بل أنت عينه ويفهم هذا السر من هو ذائق

        والتلمساني الملقب بالعفيف كان من أفجر الناس وكان أحذق هؤلاء الملاحدة .
        ولما قرئ عليه كتاب فصوص الحكم لابن عربي قيل له : " هذا الكلام يخالف القرآن " .

        قال : " القرآن كله شرك وإنما التوحيد في كلامنا ".
        فقيل له : " إذا كان الوجود واحدا فلماذا تحرم على أمي وتباح لي امرأتي ".
        فقال : " الجميع عندنا حلال ولكن هؤلاء المحجوبون قالوا حرام فقلنا حرام عليكم ".
        وكلام هؤلاء كله متناقض ينقض بعضه بعضا .
        فإن قوله : " هؤلاء المحجوبون " وقوله : " قلنا حرام عليكم " يقتضي الفرق بينه وبين المحجوبين وبين المخاطب والمخاطب وهذا يناقض وحدة الوجود .
        وإذا قالوا : هذه مظاهر للحق ومجال.
        فإن كان الظاهر غير المظهر والمجلى غير المتجلي فقد ثبت التعدد وأن في الوجود اثنين ظاهرا ومظهرا وإن جعلوهما واحدا فقد بطل جوابهم ).


        وقد سرد رحمه الله في الجزء الثاني من [ الجواب الصحيح ] شبه القوم حول مسألة الهيلولي وغيرها فقال في صحيفة 536 : ( وأن الأجسام مركبة من الجواهر المنفردة التي لا تقبل القسمة أو من المادة والصورة وأن ما لا يتناهى من الأمور المتعاقبة شيئا بعد شيء يمتنع وجوده إما في الماضي والمستقبل أو في الماضي فقط أو أن الكليات موجودة في الخارج جواهر قائمة بأنفسها أو أن لنا دهرا أو مادة هي جوهر عقلي قائم بنفسه أو أنه يمكن وجود جوهر قائم بنفسه لا يشار إليه ونحو ذلك مما يعده من يعده من النظار أنه عقليات وينازعهم فيه آخرون .

        فليس هذا هو العقليات التي لا يجب لأجلها رد الحس والسمع وتبنى عليها علوم بني آدم بل المعقولات الصحيحة الدقيقة الخفية ترد إلى معقولات بديهية أولية بخلاف العقليات الصريحة مثل كون الجسم الواحد لا يكون في مكانين في وقت واحد معا فإن هذا معلوم بفطرة الله التي فطر الناس عليها.

        فإذا جاء في الحس أو الخبر الصحيح ما يظن أنه يخالف ذلك مثل أن يرى الشخص الواحد في عرفات وهو في بلده لم يبرح أو يرى قاعدا في مكانه وهو في مكان آخر أو يرى أنه أغاث من استغاث به أو جاء طائرا في الهواء مع العلم بأنه في مكانه لم يتغير منه فهذا إنما هو جني تصور بصورة ذلك الشخص ليس هو نفسه فهذا يشبهه ليس هو إياه .

        والحسيات إن لم يميز بينها بالعقل وإلا فالحس يغلط كثيرا فكذلك من ادعى فيما حصل له من المكاشفة والمخاطبة أمرا يخالف صريح العقل يعلم أنه غالط فيه كمن قال من القائلين بوحدة الوجود إني أشهد بباطني وجودا مطلقا مجردا عن الأسماء والصفات لا اختصاص فيه ولا قيد البتة فلا يتنازع في هذا كما قد ينازعه بعض الناس .

        لكن يقال له من أين لك أن هذا هو رب العالمين الذي خلق السماوات والأرض فإن كون ما شهدته بقلبك هو الله أمر لا يدرك بحس القلب وإذا ادعيت أنه حصل لك في الكشف ما يناقض صريح العقل علم أنك غالط كما قال شيخ هؤلاء الملاحدة التلمساني .

        يا صاحبي أنت تنهاني وتأمرني والوجد أصدق نهاء وأمار
        فإن أطعك وأعص الوجد عدت عما عن العيان إلى أوهام أخبار
        وعين ما أنت تدعوني إليه إذا حققت فيه تراه النهي يا جار


        فيقال له : وجدك وذوقك لم يفدك إلا شهود وجود مطلق بسيط لكن من أين لك أن هذا هو رب العالمين بل من أين لك أن هذا ثابت في الخارج عن نفسك كليا مطلقا مجردا بل إنما تشهده كليا مطلقا مجردا في نفسك .

        ولست تعلم بحس ولا عقل ولا خبر أن هذا هو في الخارج .
        كما أن النائم إذا شهد حسه الباطن أشياء لم يكن معه يقين أن هذا في الخارج.
        فإذا عاد إليه عقله علم أن هذا كان في خياله في المنام ، وكذلك السكران وغيره ممن يضعف عقله فهذا يشهد بحسه الباطن أو الظاهر أشياء وقد ضعف عقله عن كنه ذلك لما ورد عليه وإذا ثاب إليه عقله علم أن ما شهده كان في نفسه وخياله لا في الخارج عن ذلك ) .


        يتبع بإذن الله ..

        <!-- / message --><!-- edit note -->

        تعليق


        • #5
          (2)


          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..



          نجد هنا أن شيخ الإسلام رحمه الله في الجزء الثامن من [ منهاج السنة النبوية ] يحدد شبهة " الهيلولي " التي كنا قد أخذنا نبذة عنها كما في فتواه في ابن سبعين ، ونجده هاهنا يقف مع ابن عربي ثم يقرر وجه شدة خطورة هؤلاء من خطورة الباطنية وأدعياء التشيع ، ويبين شبههم ويفندها ويردها عليهم ، فيقول رحمه الله في صحيفة 22 من هذا الكتاب : ( ابن عربي صاحب فصوص الحكم والفتوحات المكية ولهذا أدعى أنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحى به إلى الأنبياء والنبي عنده يأخذ من الملك الذي يوحى به إلى الرسل لأن النبي عنده يأخذ من الخيالات التي تمثلت في نفسه لما صورت له المعاني العقلية في الصور الخيالية وتلك الصور عنده هي الملائكة وهي بزعمه تأخذ عن عقله المجرد قبل أن تصير خيالا ولهذا يفضل الولاية على النبوة ويقول :

          مقام النبوة في برزخ ...... فوق الرسول ودون الولي

          والولي على أصله الفاسد يأخذ عن الله بلا واسطة لأنه يأخذ عن عقله ، وهذا عندهم هو الأخذ عن الله بلا واسطة إذ ليس عندهم ملائكة منفصلة تنزل بالوحي والرب عندهم ليس هو موجودا مباينا للمخلوقات بل هو وجود مطلق أو مشروط بنفي الأمور الثبوتية عن الله أو نفي الأمور الثبوتية والسلبية وقد يقولون هو وجود المخلوقات أو حال فيها أو لا هذا ولا هذا فهذا عندهم غاية كل رسول ونبي النبوة عندهم الأخذ عن القوة المتخيلة التي صورت المعاني العقلية في المثل الخيالية ويسمونها " القوة القدسية " فلهذا جعلوها الولاية فوق النبوة ،وهؤلاء من جنس القرامطة الباطنية الملاحدة لكن هؤلاء ظهروا في قالب التصوف والتنسك ودعوى التحقيق والتأله وأولئك ظهروا في قالب التشيع والموالاة .




          فأولئك يعظمون شيوخهم حتى يجعلوهم أفضل من الأنبياء وقد يعظمون الولاية حتى يجعلوها أفضل من النبوة وهؤلاء يعظمون أمر الإمامة حتى قد يجعلون الأئمة أعظم من الأنبياء والإمام أعظم من النبي كما يقوله الإسماعيلية وكلاهما أساطين الفلاسفة الذين يجعلون النبي فيلسوفا ويقولون إنه يختص بقوة قدسية ثم منهم من يفضل النبي على الفيلسوف ومنهم من يفضل الفيلسوف على النبي ويزعمون أن النبوة مكتسبة ، وهؤلاء يقولون إن النبوة عبارة عن ثلاث صفات من حصلت له فهو نبي :
          • أن يكون له قوة قدسية حدسية ينال بها العلم بلا تعلم .
          • وأن تكون نفسه قوية لها تأثير في هيولى العالم .
          • وأن يكون له قوة يتخيل بها ما يعقله ومرئيا في نفسه ومسموعا في نفسه.
          هذا كلام ابن سينا وأمثاله في النبوة ، وعنه أخذ ذلك الغزالي في كتبه المضنون بها على غير أهلها وهذا القدر الذي ذكروه يحصل لخلق كثير من آحاد الناس ومن المؤمنين وليس هو من أفضل عموم المؤمنين فضلا عن كونه نبيا كما بسط في موضعه .



          وهؤلاء قالوا هذا لما احتاجوا إلى الكلام في النبوة على أصول سلفهم الدهرية القائلين بأن الأفلاك قديمة أزلية لا مفعولة لفاعل بقدرته واختياره وأنكروا علمه بالجزئيات ونحو ذلك من أصولهم الفاسدة فتكلم هؤلاء في النبوة على أصول أولئك ، وأما القدماء أرسطو وأمثاله فليس لهم في النبوة كلام محصل .

          والواحد من هؤلاء يطلب أن يصير نبيا كما كان السهروردي المقتول يطلب أن يصير نبيا وكان قد جمع بين النظر والتأله وسلك نحوا من مسلك الباطنية وجمع بين فلسفة الفرس واليونان وعظم أمر الأنوار وقرب دين المجوس الأول وهو نسخة الباطنية الإسماعيلية وكان له يد في السحر و السيمياء فقتله المسلمون على الزندقة بحلب في زمن صلاح الدين .

          وكذلك ابن سبعين الذي جاء من المغرب إلى مكة وكان يطلب أن يصير نبيا وجدد غار حراء الذي نزل فيه الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم ابتداء ، وحُكي عنه أنه كان يقول :لقد ذرب ابن آمنة حيث قال: " لا نبي بعدي " ، وكان بارعا في الفلسفة وفي تصوف المتفلسفة وما يتعلق بذلك ، وهو وابن عربي وأمثالهما كالصدر القونوي وابن الفارض والتلمساني منتهى أمرهم القول بوحدة الوجود وأن الوجود الواجب القديم الخالق هو الوجود الممكن المحدث المخلوق ما ثم لا غير ولا سوى لكن لما رأوا تعدد المخلوقات صاروا تارة يقولون مظاهر ومجالي ، فإذا قيل لهم : فإن كانت المظاهر أمرا وجوديا تعدد الوجود وإلا لم يكن لها حينئذ حقيقة وما هو نحو هذا الكلام الذي يبين أن الوجود نوعان خالق ومخلوق.

          قالوا : نحن نثبت عندنا في الكشف ما يناقض صريح العقل ومن أراد أن يكون محققا مثلنا فلا بد أن يلتزم الجمع بين النقيضين وأن الجسم الواحد يكون في وقت واحد في موضعين.

          وهؤلاء الأصناف قد بسط الكلام عليهم في غير هذا الموضع فإن هؤلاء يكثرون في الدول الجاهلية وعامتهم تميل إلى التشيع كما عليه ابن عربي وابن سبعين وأمثالهما ، فاحتاج الناس إلى كشف حقائق هؤلاء وبيان أمورهم على الوجه الذي يعرف به الحق من الباطل فإن هؤلاء يدعون في أنفسهم أنهم أفضل أهل الأرض وأن الناس لا يفهمون حقيقة إشاراتهم فلما يسر الله أني بينت لهم حقائقهم وكتبت في ذلك من المصنفات ما علموا به أن هذا هو تحقيق قولهم وتبين لهم بطلانه بالعقل الصريح والنقل الصحيح والكشف المطابق رجع عن ذلك من علمائهم وفضلائهم من رجع وأخذ هؤلاء يثبتون للناس تناقضهم ويردونهم إلى الحق .. ).


          يقول العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه [ طريق الهجرتين و باب السعادتين ] :( الفناءُ الذي يشار إِليه على أَلسنة السالكين ثلاثة أَقسام : فناءٌ عن وجود السوى ، وفناءُ عن شهود السوى ، وفناءٌ عن عبادة السوى وإرادته، وليس هنا قسم رابع.

          فأما القسم الأول : فهو فناءُ القائلين بوحدة الوجود، فهو فناءٌ باطل في نفسه ، مستلزم جحد الصانع [ سبحانه ] ، وإِنكار ربوبيته وخلقه وشرعه ، وهو غاية الإِلحاد والزندقة .

          وهذا هو الذى يشير إليه علماءُ الاتحادية، ويسمونه " التحقيق " ، وغاية أحدهم فيه أن لا يشهد رباً وعبداً ، وخالقاً ومخلوقاً ، وآمراً ومأْمورا ً، وطاعة ومعصية ، بل الأمر كله واحد ، فيكون السالك عندهم في بدايته يشهد طاعة ومعصية .
          ثم يرتفع [ عن ] هذا الفرق بكشف عندهم إلى أن يشهد الأفعال كلها طاعة لله لا معصية فيها، وهو شهود الحكم والقدر ، فيشهده طاعة لموافقتها الحكم والمشيئة .

          وهذا ناقص عندهم أيضاً ، إذ هو متضمن للفرق ، ثم يرتفع عندهم عن هذا الشهود إلى أن لا يشهد لا طاعة ولا معصية ، إذ الطاعة والمعصية إنما تكون من غير لغير ، وما ثم غير .

          فإذا تحقق بشهود ذلك وفنا فيه فقد فنا عن وجود السوى ، فهذا هو غاية التحقيق عندهم ومن لم يصل إليه فهو محجوب .

          ومن أشعارهم فى هذا قول قائلهم :

          وما أنت غير الكون بل أنت عينه ويفهم هذا السر من هو ذائق

          وقول آخر:
          ما الأمر إلا نسق واحد ما فيه من مدح ولا ذم
          وإنما العادة قد خصصت والطبع والشارع بالحكم

          وقول الآخر: وما الموج إلا البحر لا شيء غيره وإن فرقته كثرة المتعدد..).


          قلت ( ضياء ) : ثم أكمل القسمين الآخرين وقد أخذنا ما يهمنا هنا .


          ثم نجد العلامة ابن القيم رحمه الله يشخص مرض هذه العقيدة من زاوية أخرى وهي زاوية شبهة ( المباينة ) فيقول رحمه الله في الجزء الرابع من [ الصواعق المرسلة ] : ( فصل : الطريق الثلاثون ( الوجه السابع و السبعون بعد المائة ) : إنه لو لم يكن مبايناً للعالم لزم أحد أمور ثلاثة قد قال بكل منها قائل أحدها أن يكون هو هذا العالم كما قال أهل وحدة الوجود والذي قادهم إلى هذا القول هو نفي المباينة كأن قلوبهم وفطرهم طلبت معبودا فلما اعتقدوا أنه غير مباين للعالم وتيقنوا أنه موجود قائم بنفسه قالوا فهو هذا العالم بعينه..).

          قلت ( ضياء ) : ثم ذكر القول الثاني وهو قول " الحلولية " وذكر القول الثالث وهو قول " الجهمية " ، وكان يريد من هذا كله رحمه الله تقرير عدم معارضة العقل للنقل وبيان موافقتهما وتطابقهما .


          ويفصل رحمه الله بين دقائق الخلاف بين الحلولية و الاتحادية من حيث الاعتقادات الخاصة بهما فيقول في صحيفة 337 من كتابه [ طريق الهجرتين و باب السعادتين ] : ( وأبطل من هذا الجمع ، الجمع في الوجود ، وهو أن يرى الوجود كله واحداً لا فرق فيه أصلاً ، وإنما التفريق بالعادة والوهم فقط ما يقوله زنادقة القائلين بوحدة الوجود الذين لا يفرقون بين الخالق والمخلوق بل يجعلون وجود أحدهما وجود الآخر بل ليس عندهم فرق بين أحدهما والآخر إذ ما ثم غير.

          فهذا جمع فى الوجود وجمع أُولئك جمع فى الشهود: ] فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ [ ، [ فكانوا أصحاب الجمع فى الفرق ففرقوا بين ما فرق الله بينه بإذنه وجمعوا الأشياء كلها فى خلقه وأمره وجمعوا إراداتهم ومحبتهم وشهودهم فيه ] ، فكانوا أصحاب جمع فى فرق وفرق فى جمع. فهؤلاء خواص الخلق، فنسأل الله العظيم من فضله وكرمه أن يجعلنا منهم .
          فهؤلاء هم الذين لم يبق لهم مع الحق إرادة ، بل صارت إرادتهم تابعة لإرادته ، فحصل الاتحاد فى المراد فقط لا فى الإرادة ولا فى المريد ، فأصحاب الوحدة ظنوا الاتحاد فى المريد وأصحاب الحلول توهموا الاتحاد فى الإرادة : ] فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِه ِ[ ، فعلموا أن المراد واحد فالاتحاد وقع فى المراد فقط ، لا فى الإرادة ولا فى المريد .

          وقد بين شيخ الإسلام مثل هذا الالتباس في الجزء الثاني من [ الجواب الصحيح ] صحيفة 198 : ( وقد يعبر عن ذلك بحلول المثال العلمي كما قال تعالى : ] وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ [ ، وقال تعالى : ] وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ [ ، وقال : ] وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [ ، فهو سبحانه له المثل الأعلى في قلوب أهل السماوات وأهل الأرض .

          ومن هذا الباب ما يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه قال : " يقول الله أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه " فأخبر أن شفتيه تتحرك به أي باسمه وكذلك قوله في الحديث الصحيح .

          " عبدي مرضت فلم تعدني فيقول العبد رب كيف أعودك وأنت رب العالمين فيقول أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلو عدته لوجدتني عنده " ، فقال : " لوجدتني عنده " ولم يقل " لوجدتني إياه " وهو عنده أي في قلبه والذي في قلبه المثال العلمي .

          وقال تعالى : " عبدي جعت فلم تطعمني فيقول وكيف أطعمك وأنت رب العالمين فيقول أما علمت أن عبدي فلانا جاع فلو أطعمته لوجدت ذلك عندي " ولم يقل " لوجدتني قد أكلته " .

          وكذلك قوله في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تعالى : " من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ".

          وفي رواية :" فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ولإن سألني لأعطينه ولإن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ".

          وهذا الحديث قد يحتج به القائلون بالحلول العام أو الاتحاد العام أو وحدة الوجود وقد يحتج به من يقول بالخاص من ذلك كأشباه النصارى .

          والحديث حجة على الفريقين فإنه قال :"من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب" فأثبت ثلاثة " وليا له " و " عدوا يعادي وليه " وميز بين نفسه وبين وليه وعدو وليه فقال:" من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب " ، ولكن دل ذلك على أن وليه الذي والاه فصار يحب ما يحب ويبغض ما يبغض ويوالي من يوالي ويعادي من يعادي فيكون الرب مؤذنا بالحرب لمن عاداه بأنه معاد لله .

          ثم قال تعالى : " وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه " ففرق بين " العبد المتقرب " و " الرب المتقرب إليه " ثم قال :" ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه " فبين أنه يحبه بعد تقربه بالنوافل والفرائض.

          ثم قال:" فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها " وعند أهل الحلول والاتحاد العام أو الوحدة هو صدره وبطنه وظهره ورأسه وشعره وهو كل شيء أو في كل شيء قبل التقرب وبعده وعند الخاص وأهل الحلول صار هو وهو كالنار والحديد والماء واللبن لا يختص بذلك آلة الإدراك والفعل .

          ثم قال تعالى : " فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي" وعلى قول هؤلاء الرب هو الذي يسمع ويبصر ويبطش ويمشي والرسول إنما قال : " فبي " ثم قال : " ولئن سألني لأعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه " فجعل العبد سائلا مستعيذا والرب مسئولا مستعاذا به وهذا يناقض الاتحاد وقوله : " فبي يسمع " مثل قوله : " ما تحركت بي شفتاه " يريد به المثال العلمي .

          وقول الله :" فيكون الله في قلبه " أي معرفته ومحبته وهداه وموالاته وهو المثل العلمي فبذاك الذي في قلبه يسمع ويبصر ويبطش ويمشي .

          والمخلوق إذا أحب المخلوق أو عظمه أو أطاعه يعبر عنه بمثل هذا فيقول : ( أنت في قلبي وفي فؤادي وما زلت بين عيني ) .

          ومنه قول القائل :
          مثالك في عيني وذكرك في فمي ومثواك في قلبي فأين تغيب

          وقول الآخر :

          ومن عجبي أني أحن إليهم وأسأل عنهم من لقيت وهم معي
          وتطلبهم عيني وهم في سوادها و يشتاقهم قلبي وهم بين أضلعي

          ومثل هذا كثير مع علم العقلاء أن نفس المحبوب المعظم هو في نفسه ليست ذاته في عين محبه ولا في قلبه ولكن قد يشتبه هذا بهذا حتى يظن الغالطون أن نفس المحبوب المعبود في ذات المحب العابد ، ولذلك غلط بعض الفلاسفة حتى ظنوا أن ذات المعلوم المعقول يتحد بالعالم العاقل ) .


          يقول رحمه الله تعالى في الجزء الرابع من [ الفتاوى الكبرى ] صحيفة 282 :( قال تعالى : ] وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ[ ، وهؤلاء قد يدعون هذا وهذا فإن الذي يضاهي الرسول الصادق لا يخلو : إمّا أن يدعي مثل دعوته فيقول : " إن الله أرسلني وأنزل عليّ " وكذب على الله ، أو يدعي أنه يوحى إليه ولا يسمي موحيه كما يقول : " قيل لي ونوديت وخوطبت " ونحو ذلك ويكون كاذباً فيكون هذا قد حذف الفاعل ، أو لا يدعي واحداً من الأمرين لكنه يدعي أنه يمكنه أنه يأتي بما أتى به الرسول، ووجه القسمة أن ما يدعيه في مضاهاة الرسول إما أن يضيفه إلى الله أو إلى نفسه أو لا يضيفه إلى أحد.

          فهؤلاء في دعواهم مثل الرسول هم أكفر من اليهود والنصارى فكيف بالقرامطة الذين يكذبون على الله أعظم مما فعل مسيلمة وألحدوا في أسماء الله وآياته أعظم مما فعل مسيلمة وحاربوا الله ورسوله أعظم مما فعل مسيلمة وبسط حالهم يطول لكن هذه الأوراق لا تسع أكثر من هذا وهذا الذي ذكرتُه حال أئمتهم وقادتهم العالمين بحقيقة قولهم .

          ولا ريب أنه قد انضم إليهم من الشيعة والرافضة من لا يكون في الباطن عالماً بحقيقة باطنهم ولا موافقاً لهم على ذلك فيكون من أتباع الزنادقة المرتدين الموالي لهم الناصر لهم بمنزلة أتباع الاتحادية الذين يوالونهم ويعظمونهم وينصرونهم ولا يعرفون حقيقة قولهم في وحدة الوجود ،وأن الخالق هو المخلوق.

          فمن كان مسلماً في الباطن وهو جاهل معظم لقول ابن عربي وابن سبعين وابن الفارض وأمثالهم من أهل الاتحاد فهو منهم.

          وكذا من كان معظماً للقائلين بمذهب الحلول والاتحاد فإن نسبة هؤلاء إلى الجهمية كنسبة أولئك إلى الرافضة والجهمية ولكن القرامطة أكفرمن الاتحادية بكثير ، ولهذا كان أحسن حال عوامهم أن يكونوا رافضة جهمية ، وأما الاتحادية ففي عوامهم من ليس برافضي ولا جهمي صريح ، ولكن لا يفهم كلامهم ويعتقد أن كلامهم كلام الأولياء المحققين وبسط هذا الجواب له مواضع غير هذا و الله أعلم ) .

          قلت ( ضياء ) : وهنا يتضح ورع شيخ الإسلام في التدقيق وعدم شمولية الحكم على العوام ممن انخدع بهؤلاء ، ولو أن الحق واضح بين لاغبار فيه ، إلا أن التلبيس والمكر الكُبار الذي أعتمده أساطين الوجودية وإخوانهم من الحلولية في التدليس على عوام قومهم والظهور أمامهم بمظهر الصلاح والإصلاح والتقى جعل منهم أولياء لله دعاة إلى توحيده وتمجيده جهلا منهم وتجاهلاً من كبارهم .
          فالله المستعان .


          أختم مشاركتي لهذا الجزء بما قاله رحمه الله في كتابه [ الحسنة والسيئة ] صحيفة 110 حيث قال : ( على هذا ، فإن تسوية العبد بين جميع الحوادث ممتنع لذاته ، بل لابد للعبد من أن يفرق ؛ فإن لم يفرق بالفرق الشرعي فيفرق بين محبوب الحق ومكروهه ، وبين ما يرضاه وما يسخطه ، وإلا فرق بالفرق الطبعي بهواه وشيطانه ، فيحب ما تهواه نفسه ، وما يأمر به الشيطان ‏.

          ومن هنا وقع منهم خلق كثير في المعاصي ، وآخرون في الفسوق ، وآخرون في الكفر ، حتى جَوَّزوا عبادة الأصنام‏ .

          ثم كثير منهم من ينتقل إلى وحدة الوجود، وهم الذين خالفوا الجنيد وأئمة الدين في التوحيد ، فلم يفرقوا بين القديم والمحدث ، وهؤلاء صرحوا بعبادة كل موجود كما قد بسط الكلام عليهم في غير هذا الموضع وهو قول أهل الوحدة ، كابن عربي الحاتمي ، وابن سبعين ، والقونوي ، والتلمساني ، والبلياني ، وابن الفارض ، وأمثالهم‏ ، والمقصود هنا ‏‏" الكلام على من نفى الحكم " ) .


          يتبع إن شاء الله تعالى ..

          تعليق


          • #6
            <CENTER>( 3 )



            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..


            نستمر في عرض فتاوى أهل السنة والجماعة في مسألة وحدة الوجود والتفصيل فيها ..


            يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في الجزء الأول من [ الصفدية ]صحيفة 112 : ( وهم قد قرروا في منطقهم اليوناني ما هو معلوم بصريح العقل " أن المطلق بشرط الإطلاق إنما يوجد في الأذهان لا في الأعيان كالإنسان المطلق بشرط الإطلاق والجسم المطلق بشرط الإطلاق والحيوان المطلق بشرط الإطلاق ".
            وهذا قصدوا به التمييز بين هذا وبين الوجود الذي هو موضوع الفلسفة الأولى والحكمة العليا عندهم وهو العلم الأعلى عندهم الناظر في الوجود ولواحقه ، فإن الوجود ينقسم إلى " واجب " و " ممكن " و" قديم "و" محدث " و " قائم بنفسه " و " قائم بغيره ".

            ومورد التقسيم مشترك بين الأقسام فكان هذا الوجود يعم القسمين " الواجب " و " الممكن " وهذا هو المطلق لا بشرط وهو الكلي الطبيعي فجعلوا أحد القسمين وهو الواجب هو المطلق بشرط الإطلاق وكذلك جعل العدم المحض هو المميز للوجود الواجب عن الممكن يوجب كون العدم المحض فصلا أو خاصة وهذا أيضا باطل فإن الأمرين المشتركين في الوجود لا يكون المميز لأحدهما عن الآخر إلا أمرا وجوديا ولو قدر أنه عدمي لكان الواجب قد امتاز بأمر عدمي والممكن امتاز بوجودي والوجود أكمل من العدم فيكون كل ممكن مخلوق على قول ابن سينا أكمل من الموجود الواجب القديم لأنهما اشتركا في الوجود وتميز الرب بعدم الأمور الثبوتية وتميز المخلوق بأمور وجودية وهذا الكلام عندهم هو غاية التوحيد والتحقيق والحكمة وهو غاية التعطيل والكفر والجهل والضلال.

            وذلك أن المطلق بشرط الإطلاق وجوده في الأذهان لا في الأعيان وهم يسلمون هذا ويقررونه في منطقهم ويقولون الكلي ثلاثة أنواع الكلي " الطبيعي " و " المنطقي " و " العقلي ".

            فالطبيعي : هو الحقيقة المطلقة ،كالإنسانية والحيوانية .
            وأما المنطقي : فهو ما يعرض لهذه من العموم والكلية .
            والعقلي : هو المركب منهما ، وهو الطبيعي بشرط كونها كلية فهذا العقلي لا يوجد إلا في الذهن وكذلك المنطقي وأما الطبيعي فيقولون أنه موجود في الخارج لكن لا يوجد إلا معينا مشخصا ويقولون أنه جزء المعين وأن الماهية في الخارج زائدة عن الوجود الثابت في الخارج .

            ويذكرون عن أصحاب أفلاطون أنهم أثبتوا الكلي العقلي في الخارج مجردا عن الأعيان وشنعوا عليهم تشنيعا عظيما ومن قال إن الرب هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق ويردون على أصحاب أفلاطون الذين أثبتوا المثل الأفلاطونية وهي الكليات المجردة عن الأعيان ويقولون هي ثابتة في الأذهان لا في الأعيان وعند هؤلاء بتقدير ثبوت هذه الكليات في الخارج فلا بد أن تكون لها أعيان ثابتة في الخارج مجردة .

            فلو قدر أن في الخارج وجودا مطلقا بشرط الإطلاق لكان كليا شاملا عاما وله أعيان ثابتة في الخارج بالضرورة ويكون متناولا للواجب والممكن كتناوله للقديم والحادث والجوهر والعرض وكتناول سائر المعاني الكلية أفرادها سواء سميت جنسا أو نوعا أو فصلا أو خاصة أو عرضا عاما فيمتنع أن تكون هذه الكليات العامة هي الأعيان الموجودة الداخلة فيها ولذلك إذا قدر أن المطلق لا بشرط وهو الكلي الطبيعي موجود في الخارج فإنه لا يوجد إلا معينا والمعين ليس هو المطلق غايتهم أن يقولوا هو جزء منه أو صفة له فيلزم أن يكون رب العالمين جزءا من المخلوقات أو صفة لها وهؤلاء غلطوا من وجهين :

            من جهة : ظنهم أن في الخارج أمورا مطلقة كلية ، وليس كذلك بل ما يتصوره الذهن مطلقا كليا يوجد في الخارج لكن يوجد معينا مختصا .

            والثاني : أنه لو قدر أن في الخارج مطلقا كليا فلا ريب أن كل موجود معين مشخص مختص مميز عن غيره ، وليس هذا هو هذا ولا وجود هذا وجود هذا فكيف يكون وجودها وجود رب العالمين فلا بد على كل تقدير من إثبات موجود واجب بنفسه مغاير لهذا المطلق سواء قيل بوجود الكليات المطلقة المفارقة للأعيان كما يقوله أصحاب أفلاطون أو قيل بأنها لا توجد إلا مقارنة ملازمة للأعيان كما يقوله أصحاب أرسطو وأهل الوحدة القائلون بوحدة الوجود لما قال من قال منهم : " أنه الوجود المطلق " كابن سبعين والقونوي وأمثالهما .

            قال من قال منهم كالقونوي : " أنه المطلق لا بشرط ليكون موجودا في الخارج " وهذا باطل أيضا ، فإن الموجود المطلق لا بشرط يتناول القسمين الواجب والممكن فيكون الممكن داخلا في مسمى واجب الوجود وهم إنما فرقوا بينهما بناء على أن وجود الممكن زائد على حقيقته وهو باطل وأن الواجب إنما يتميز بقيود سلبية والسلوب لا تكون مميزة عندهم بل لا يحصل التمييز في الموجودين إلا بأمور وجودية ولأن المطلق عند من يقول بوجوده في الخارج جزء من المعين فيكون رب العالمين جزءا من كل مخلوق ولأن الخارج لا يوجد فيه كلي ولا مطلق إلا معينا مشخصا ولكن ما هو كلي في الأذهان يكون موجودا في الأعيان لكن معينا ومشخصا وأيضا فهؤلاء الذين يقولون إن واجب الوجود مطلق أو مقيد بالأمور السلبية كابن سينا وأهل الوحدة وغيرهم هم في الحقيقة لا يثبتون له حقيقة ولا صفة ولا قدرا الموجود لا بد له من حقيقة تخصه مستلزمه لصفته وقدره فهم من أعظم الناس تعطيلا للخالق وجحودا له وإن كانوا يعتقدون أنهم يقرون به وقد بسط الكلام عليهم في غير هذا الموضع ) .

            ويقول في نفس الجزء صحيفة 262 : ( والمقصود هنا بيان أن هؤلاء الذين يدعون التحقيق والمعرفة والولاية القائلين بوحدة الوجود أصل قولهم قول الباطنية من الفلاسفة والقرامطة وأمثالهم وأن هؤلاء من جنس فرعون لكن هؤلاء أجهل من فرعون وفرعون أعظم عنادا منهم فإن فرعون كان في الباطن مقرا بالصانع المباين للأفلاك ولكن أظهر الإنكار طلبا للعلو والفساد وأظهر أن ما قاله موسى لا حقيقة له قال تعالى : ]وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً [.


            وأما هؤلاء فإنهم عند أنفسهم مقرون بالصانع مثبتون له لكن لم يثبتوه مبايناً للعالم بل جعلوا وجوده وجود العالم أو جعلوه حالا في العالم .

            وقولهم مضطرب متناقض ، فإنهم مترددون بين الإتحاد والحلول ، وأصل ضلالهم إنكارهم مباينة الصانع للعالم وصارت قلوبهم تطلب موجوداً وهي تأبى أن يكون مبايناً للعالم فصاروا يطلبونه في العالم أو يجعلون وجوده هو وجود العالم فيجعلونه إما العالم وإما جزءا منه وإما صفة له وإما أن يقولوا هو العالم وليس هو العالم فيجمعوا بين المتناقضين وهو حقيقة قول ابن عربي فإنه يجعل وجوده وجود العالم ويقول : " إن ذات الشيء غير وجوده " ، كما يقول : " من يقول أن المعدوم شيء فيفرق ين الوجود والثبوت " ، وهذا فرق باطل فلهذا كان قوله متناقضا .

            وهكذا كثير من الناس يقولون بشيء من الحلول والاتحاد مع تناقضهم في ذلك كما يوجد شيء من ذلك في كلام كثير من الصوفية ) .

            ويقول رحمه الله كما في الجزء الثاني من [ منهاج السنة النبوية ] صحيفة 625 :( وكثير من الجهال أهل الحال وغيرهم يقولون : " إنهم يرون الله عيانا في الدنيا " وأنه " يخطوا خطوات " ، وقد يقولون مع ذلك من المقالات ما هو أعظم من الكفر كقول بعضهم : " كل رزق لا يرزقنيه الشيخ فلان لا أريده وقول بعضهم : " إن شيخهم هو شيخ الله ورسوله " وأمثال ذلك من مقالات الغلاة في الشيوخ .

            لكن يوجد في جنس المنتسبين إلى الشيعة من الإسماعيلية والغلاة من النصيرية وغيرهم ما هو أعظم غلوا وكفرا من هذه المقالات ، فلا يكاد يوجد من المنتسبين إلى السنة مقالة خبيثة إلا وفي جنس الشيعة ما هو أخبث منها ، وأهل الوحدة القائلون بوحدة الوجود كأصحاب ابن عربي وابن سبعين وابن الفارض يدعون أنهم " يشاهدون الله دائما " فإن عندهم مشاهدته في الدنيا والآخرة على وجه واحد ، إذ كانت ذاته الوجود المطلق الساري في الكائنات .

            فهذه المقالات وأمثالها موجودة في الناس ولكن المقالات الموجودة في الشيعة أشنع وأقبح كما هو موجود في الغالية من النصيرية وأمثالهم ، ولهذا كان النصيرية يعظمون القائلين بوحدة الوجود ) .

            ويقول رحمه الله في [ الرد على المنطقيين ] صحيفة 102 : ( المقام الثالث : المقام السلبي في الأقيسة والتصديقات في قولهم " إنه لا يعلم شيء من التصديقات إلا بالقياس " وهؤلاء يقولون ما ذكره ابن سينا وأتباعه كصاحب الكتب المضنون بها على غير أهلها ومن وافقهم من القرامطة والباطنية من الملاحدة والجهال الذين دخلوا في الصوفية وأهل الكلام كأهل وحدة الوجود وغيرهم .

            يجعلون الشفاعة مبنية على ما يعتقدونه " من أن " الرب لا يفعل بمشيئتهو قدرته "و" ليس عالما بالجزئيات "و " لا يقدر أن يغير العالم " بل " العالم فيض فاض عنه بغير مشيئته وقدرته وعلمه " .

            فيقولون : " إذا توجه المستشفع إلى من يعظمه من الجواهر العالية كالعقول والنفوس والكواكب والشمس والقمر أو إلى النفوس المفارقة مثل بعض الصالحين فانه يتصل بذلك المعظم المستشفع به فإذا فاض على ذلك ما يفيض من جهة الرب فاض على هذا المستشفع من جهة شفيعة " .

            ويمثلونه بالشمس إذا طلعت على مرآة فانعكس الشعاع الذي على المرآة على موضع آخر فأشرق بذلك الشعاع فذلك الشعاع حصل له بمقابلة المرآة وحصل للمرآة بمقابلة الشمس .

            فهذا الداعي المستشفع إذا توجه إلى شفيعه أشرق عليه من جهته مقصود الشفاعة ، وذلك الشفيع يشرق عليه من جهة الحق .

            ولهذا يرى هؤلاء دعاء الموتى عند القبور وغير القبور ويتوجهون إليهم ويستعينون بهم ويقولون أن أرواحنا إذا توجهت إلى روح المقبور في القبور اتصلت به ففاضت عليها المقاصد من جهته .

            وكثير منهم ومن غيرهم من الجهال يرون الصلاة والدعاء عند قبور الأنبياء والصالحين من أهل البيت وغيرهم أفضل من الصلوات الخمس والدعاء في المساجد وأفضل من حج البيت العتيق .

            ومعلوم أن كفر هؤلاء بما يقولونه في الشفعاء أعظم من كفر مشركي العرب بما قالوه فيهم ، لأن كلتي الطائفتين عبدوا من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم وقالوا : " هؤلاء شفعاؤنا عند الله " لكن العرب اقروا بأن الله عالم بهم قادر عليهم يخلق بمشيئته وقدرته وقالوا : " أن هؤلاء ينفعونا بدعائهم لنا " .

            وأما مشركوا الفلاسفة كما ذكره ابن سينا ومن اتبعه فيقولون أن من يستشفع به لا يدعو الله لنا بشئ والله لا يعلم دعاءنا ولا دعاءه ولا يسمع نداءنا ولا نداءه بل ولا يعرف بنا ولا نراه ولا يعرف به فانا نحن من الجزئيات والله لا يعلم الجزئيات عندهم ولا يقدر على تغيير شيء من العالم ولا يفعل بمشيئته .

            لكن قالوا : " لكن نحن إذا توجهنا إلى هؤلاء بالدعاء لهم والسؤال منهم بل وبالعبادة لهم فاض علينا ما يفيض منهم وفاض عليهم ما يفيض من جهة الله " ) .

            قلت ( ضياء ) : يجب أن نعلم أن أصحاب هذه العقيدة دائما مايدندنون بأصل باطلهم ( الاتحاد المطلق ) والذي يريدون منه تعطيل الخالق ليصلوا إلى مرحلة الإلحاد والجحود وهذا مربط فرسهم ومنتهى غايتهم ، وإن كان الكثير منهم يحاول أن يستر عيب عقيدته بإنكاره ( الإتحاد المطلق ) ولكن لامناص من ذلك ولا مفر .

            فقد حاول أهل الحلول من قبل أن يغطوا عورة عقيدتهم بإنكار ( الحلول المطلق ) والذي يصل إلى عينية الإتحاد كقول الجهمية : " إن ذاته في كل شيء " والعياذ بالله ، فهرب من بقلبه مثقال ذرة حياء ( إن وجدت ) إلى قوله ( بالحلول المقيد ) في بعض الأشخاص .

            لذا فإن كثير من الخرافيين من أهل الفناء في المحبة تراه كما قال شيخ الإسلام رحمه الله يغيب بمحبوبه عن نفسه وحبه ، ويغيب بمذكوره عن ذكره ، وبمعروفه عن معرفته ، وبموجوده عن وجوده ، حتى لا يشهد إلا محبوبه ، فيظن في زوال تمييزه ونقص عقله وسكره أنه هو محبوبه ‏!!

            هذه فائدة ذكرها شيخ الإسلام رحمه الله في فصل أسماه [ فصل في محبة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ] وقد ذكر بعد ملخص الكلام السابق مثالا عبارة عن قصة تبين ضلال هؤلاء وسفاهة أحلامهم ..

            قيل أن هناك محبوبًا وقع في اليم ، فألقى المحب نفسه خلفه !
            فقال الأول وهو المحبوب : أنا وقعت ، فأنت ما الذي أوقعك ‏؟‏
            فقال المحب : غبت بك عني ، فظننت أنك أني !!

            فسبحان ربي لا يشك في ضلال‏ هذا إلى جاهل أو متجاهل ، وكعادته في الإنصاف يعلق على هذه القصة رحمه الله فيقول : ( لكن إن كان هذا لقوة المحبة والذكر منغير أن يحصل عن سبب محظور زال به عقله كان معذورًا في زوال عقله ، فلا يكون مؤاخذًا بما يصدر منه من الكلام في هذه الحال التي زال فيها عقله بغير سبب محظور ، كما قيل في عقلاء المجانين‏ :إنهم قوم آتاهم اللّه عقولًا وأحوالًا ، فسلب عقولهم وأبقى أحوالهم ، وأسقط ما فرض بما سلب ) .

            ويأتي شيخ الإسلام رحمه الله ليهدم على هؤلاء أصلهم الباطل من قواعده ، فيقول في [ شرح العقيدة الأصفهانية ] صحيفة 52 : ( ثم قالوا في الموجود الواجب الوجود إنه وجود مطلق بشرط الإطلاق وقد علم بصريح العقل أن الوجود المطلق بشرط الإطلاق لا يكون في الخارج وإنما هو أمر يقدر في العقل لا حقيقة له في الخارج عن الذهن ولا ثبوت له في نفس الأمر وهذا عين التعطيل للموجود الواجب الذي شهد به الوجود من حيث هو وجود فإن الوجود من حيث هو وجود يشهد بوجود واجب الوجود كما قال ابن سينا وغيره وأصابوا في ذلك فإنه لا ريب أن ثم وجودا وأنه إما واجب وإما ممكن والممكن لا بد له من واجب فثبت أنه لا بد في الوجود من موجود واجب .

            فهذا البيان الذي ذكروه في إثبات واجب الوجود حق واضح مبين ، لكنهم زعموا مع ذلك أنه وجود مطلق بشرط الإطلاق لا يتعين ولا يتخصص بحقيقة يمتاز بها عن سائر الموجودات بل حقيقته وجود محض مطلق بشرط نفي جميع القيود والمعينات والمخصصات وهم يعلمون في المنطق وكل عاقل تصور هذا الكلام أن هذا لا حقيقة له ولا وجود له إلا في الذهن لا في الخارج فصار الموجود الواجب الذي يشهد به الوجود في الخارج لا يوجد إلا في الذهن وهذا من أبين التناقض والاضطراب والجمع بين النقيضين حيث جعلوه بموجب البرهان الحق موجودا في الخارج وبموجب سلب الصفات هو التوحيد الذي تخيلوه معدوما في الخارج فصار قولهم مستلزما لوجوده وعدمه .

            وكذلك قول من سلك سبيلهم من القرامطة الباطنية كأصحاب رسائل إخوان الصفا وأمثالهم من الاتحادية أهل وحدة الوجود كابن سبعين وابن عربي ونحوهما ، بل وسبيل نفاة الصفات من أهل الكلام كالمعتزلة وغيرهم ، بل وسبيل سائر من نفى شيئا من الصفات فإن لازم كلامه تعطيله ونفيه مع إقراره بثبوته فيكون جامعا بين النقيضين وهذا مبسوط في غير هذا الموضع .

            وإنما المقصود هنا التنبيه على مثال أقيستهم الفاسدة التي يجعلونها براهين فيما خالفوا فيه الحق ثم إذا تبين أن هذا الواحد ليس له حقيقة في الخارج قيل لمن قال الواحد لا يصدر عنه إلا واحد ما معنى الصدور ؟

            أنت لا تعني به حدوثه عنه ولا فعله له بمشيئته وقدرته فعلا يسبق به الفاعل مفعوله وإنما تعنى به لزومه له ووجوبه به ، ونحن لا نتصور في الموجودات شيئا صدر عنه وحده شيء منفصل عنه كان لازما له قبل هذا الوجه بل ما لزمه وحده كان صفة له إما أن يكون اللازم للملزوم وحده شيئا منفصلا عنه فهذا بيان غير معقول ومعروف فهذا الصدور الذي ذكرته غير معروف ) .

            ويقول رحمه في نفس الكتاب صحيفة 84 : ( ولهذا يقولون : " بسائط ليس فيها تركيب عقلي من الجنس والفصل كما إله ليس فيها تركيب الأجسام ".
            وظن هذا الملحد وأمثاله أنهم بذلك خلصوا من الإلزامات ، ومعلوم عند من عرف حقيقة قولهم أن هذا القول من أفسد الأقوال شرعا وعقلا، وأبعدها من مذاهب المسلمين واليهود والنصارى ، بل مع ما قد حققوه من الفلسفة وعرفوه من مذهب أهل الكلام وادعوه من العلوم الباطنة ومعرفة التأويل ودعوى العصمة في أئمتهم .

            وقد قرروا أنا لا نقول الجمع بين النقيضين فليس في قولنا مجال فيقال لهم ولكن سلبتم النقيضين جميعا وكما أنه يمتنع الجمع بين النقيضين فيمتنع الخلو من النقيضين فالنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان ولهذا كان المنطقيون يقسمون الشرطية المنفصلة إلى مانعة الجمع ومانعة الخلو ومانعتي الجمع والخلو فالمانعة من الجمع والخلو كقول القائل " الشيء إما أن يكون موجودا وإما أن يكون معدوما وإما أن يكون ثابتا وإما أن يكون منفيا " فتفيد الاستثنآت الأربعة : لكنه موجود فليس بمعدوم أو هو معدوم فليس بموجود أو ليس بموجود فهو معدوم أو ليس بمعدوم فهو موجود .

            وكذلك ما كان من الإثبات بمنزلة النقيضين كقول القائل : " هذا العدد إما شفع وإما وتر" فكونه شفعا ووترا لا يجتمعان ولا يرتفعان وهؤلاء ادعوا إثبات شيء يخلو عنه النقيضان .

            فإن جوزوا خلوه عن النقيضين جاز اجتماع النقيضين فيه وهذا مذهب أهل الوحدة القائلين بوحدة الوجود كصاحب الفصوص وابن سبعين وابن أبي المنصور وابن الفارض والقونوي وأمثالهم فإن قولهم وقول القرامطة من مشكاة واحدة والاتحادية قد يصرحون باجتماع النقيضين .

            وكذلك يذكرون مثل هذا عن الحلاج ، والحلاج لما دخل بغداد كانوا ينادون عليه : " هذا داعي القرامطة " وكان يظهر للشيعة أنه منهم ، ودخل على " ابن نوبخت " رئيس الشيعة ليتبعه ، فطالبه بكرامات عجز عنها .

            ومقالات أهل الضلال كلها تستلزم الجمع بين النقيضين أو رفع النقيضين جميعا ، لكن منهم من يعرف لازم قوله فيلتزمه ومنهم من لا يعرف ذلك ، وكل أمرين لا يجتمعان ولا يرتفعان فهما في المعنى نقيضان لكن هذا ظاهر في الوجود والعدم .

            وقول مثبتة الحالين الذين يقولون لا موجودة ولا معدومة هو شعبة من مذهب القرامطة وإنما التحقيق إنها ليست موجودة في الأعيان ولا منتفية في الأذهان .

            ومن الأمور الثبوتية ما يكونان بمنزلة الوجود والعدم كقولنا إن العدد إما شفع إما وتر ، وقولنا أن كل موجودين إما أن يقترنا في الوجود أو يتقدم أحدهما على الآخر ، وكل موجود إما قائم بنفسه وإما قائم بغيره ، وكل جسم إما متحرك وإما ساكن وإما حي وإما ميت ، وكل حي إما عالم وإما جاهل وإما قادر وإما عاجز وإما سميع وإما أصم وإما أعمى وإما بصير ، بل وكذلك كل موجودين فإما أن يكونا متجانسين وإما أن يكونا متباينين وأمثال هذه القضايا ) .


            قلت ( ضياء ) : بيان شيخ الإسلام واضح جلي فرحمه الله وجزاه الله خيرا وأجزل مثوبته .


            يتبع بإذنه تعالى ..

            </CENTER>

            <!-- / message --><!-- sig -->

            تعليق


            • #7
              إلى ضياء

              حفظك الله ياأخانا ضياء أسأل الله لك التوفيق

              تعليق


              • #8
                .. جزاك الله خيراً وبارك فيك ..

                تعليق


                • #9
                  *********

                  عقيدتهم بـ ( لا إله إلا الله )






                  جاء في [ الدرر السنية ] صحيفة 262 : ( تقدير خبر " لا " وهذه الكلمة لم توضع لتقرير الوجود وإنما وضعت لنفي الشرك والبراءة منه وتجريد التوحيد كما دلت عليه الآيات المحكمات البينات ، ودعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم ، وتقدير خبر " لا " موجود لا يجري إلا على مذهب الطائفتين ، لعنهم الله، على قولهم : ( إن الله هو الموجود ، فلا وجود إلا الله ) فهذا معنى قوله : ( إنه كلي ، لا يوجد منه في الخارج ، إلا فرد ) فغير المعنى الذي دلت عليه لا إله إلا الله ، من نفى جميع المعبودات التي تعبد من دون الله ؛ والمنفي إنما هو حقيقتها ، كما قال المسيح عليه السلام: ( ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق ) .



                  جاء في [ إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد ] للوالد العلامة الفوزان حفظه الله تعالى ما يلي في بيان معنى (لا إله إلاَّ الله) : ( ومعنى ( لا إله إلاَّ الله ) : " نفي العبادة عما سوى الله ، وإثباتها لله سبحانه وتعالى " ، يعني : " إبطال عبادة كل ما سوى الله ، وإثبات العبادة لله " ، فقوله ( لاَ إله ) : هذا إبطال لجميع المعبودات من دون الله عزّ وجلّ ، وإنكار لها ، ( إلاَّ اللهَ ) : هذا إثبات للعبادة لله سبحانه وتعالى ، فعلى هذا معنى ( لا إله إلاَّ الله ) : " لا معبود بحق - أو ( لا معبود حقاً ) - إلاَّ الله سبحانه وتعالى " ، أما لو قلت : معناها " لا معبود إلاَّ الله " ، نقول : هذا ضلال عظيم ، لأنك أدخلت كل المعبودات وجعلتها هي الله ، جعلتَ الأصنام والأضرحة والكواكب وكل ما عُبد من دون الله هو الله ، وهذا غلط ، وهو مذهب أهل وحدة الوجود ، فلابد أن تأتي بكلمة "حق"، لأن المعبودات على قسمين :
                  - معبود بحق .
                  - ومعبود بالباطل .
                  المعبود بحق : هو الله .
                  والمعبود بالباطل : هو ما سوى الله من كل المعبودات .
                  قال تعالى : ] ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [ ، هذا معنى : ( لا إله إلاَّ الله ) ) .


                  وجاء في الجزء الثاني من [ مجموعة الرسائل والمسائل النجدية ] في القسم الخاص برسائل وفتاوى الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد عبد الوهاب رحمهم الله صحيفة 94 ما يلي : ( فتبين بهذا أن ( لا إله إلاَّ الله ) نفت كل ما كان يعبد من دون الله من صنم ومن وثن ، من حين حدث الشرك في قوم نوح إلى أن تقوم الساعة ، وهذا المعنى أكثر أهل العلم يسلمونه ويعرفونه ، حتى الخوارج والرافضة والمعتزلة والمتكلمون ، من كل أشعري وكرامي وماتريدي ؛ وإنما اختلفوا في العمل بلا إله إلا الله ، فبعضهم يظن أن هذا في حق أناس كانوا فبانوا ، فخفي عليهم حقيقة الشرك ، وأما الفلاسفة وأهل الاتحاد فإنهم لا يقولون بهذا المعنى ولا يسلمونه بل يقولون : " إن المنفي بـ ( لا إله إلاَّ الله ) كلي ، لا يوجد منه في الخارج إلا فرد وهو الله " ، فهو المنفي وهو المثبت بناء على مذهبهم الذي صاروا به أشد الناس كفرا، وهو قولهم : " إن الله هو الموجود المطلق " ، فلم يخرجوا من ذلك صنما ولا وثنا ، ويشبه قولهم هذا أهل وحدة الوجود القائلين : " بأن الله تعالى هو الموجود بعينه " ، فيقولون : " إن المنفي كلي ، والمثبت بقوله ( إلاَّ ) هو الوجود بعينه " ، ولا فرق عند الطائفتين بين الخالق والمخلوق ، ولا بين العابد والمعبود ، كل شيء عندهم هو الله ، حتى الأصنام والأوثان ، وهو حقيقة قول هذا الرجل سواء ، فخذ قولي واقبله وفقك الله ، فلقد عرفتَ بحمد الله ما أرادوه من قولهم : " إن المنفي كلي لا يوجد منه في الخارج إلا فرد " ، ويدعي هذا مثل ما ادعته هذه الطائفة أن تقدير خبر ( لا ) : " موجود " ، وهذه الكلمة لم توضع لتقرير الوجود ، وإنما وضعت لنفي الشرك ، والبراءة منه ، وتجريد التوحيد ، كما دلت عليه الآيات المحكمات البينات ، ودعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم ، و تقدير خبر ( لا ) بموجود لا يجري إلا على مذهب الطائفتين " لعنهم الله " على قولهم : " إن الله هو الوجود ، فلا موجود إلا الله " ، فهذا معنى قوله : " إنه كلي لا يوجد منه في الخارج إلا فرد " ، فغير المعنى الذي دلت عليه ( لا إله إلاَّ الله ) من نفي جميع المعبودات التي تعبد من دون الله ، والمنفي إنما هو حقيقتها كما قال المسيح عليه السلام : ] سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ [ ) .

                  يقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله كما في [ تعليقاته المختصرة على متن الطحاوية ] : ( ( ولا إله غيره ) : " هذا هو توحيد الألوهية " ، ( لا إله ) : " أي لا معبود بحق غيره " ، أما إذا قلت : " لا معبود إلا هو " أو " لا معبود سواه " فهذا باطل ، لأن المعبودات كثيرة من دون الله عز وجل ، فإذا قلت : " لا معبود إلا الله " ، فقد جعلت كل المعبودات هي الله ، وهذا مذهب أهل وحدة الوجود ، فإذا كان قائل ذلك يعتقد هذا ، فهو من أصحاب أهل وحدة الوجود ، وأما إن كان لا يعتقد هذا ، إنما يقوله تقليداً أو سمعه من أحد ، فهذا غلط ويجب عليه تصحيح ذلك .



                  يقول العلامة عبد الرحمن بن حسن بن محمد عبد الوهاب رحمهم الله في [ رسائله ] صحيفة 95 ما يلي : ( ولا ريب أن كل معبود سوى الله فهو باطل ، والمنفي بـ ( لا إله ) هي " المعبودات الباطلة " ، والمستثنى بـ ( إلاّ َ) " هو سبحانه " ، ويدل على هذا قوله تعالى في سورة الحج: ] ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى [ ، وقال في آخر السورة : ] ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [ ، وقال في سورة لقمان : ] ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ [ ، فقوله : ] ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ [ هو المستثنى بـ ( إلاَّ الله ) وهو الحق ، وقوله : ] وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ [ هو المنفي بـ ( لا إله ) ، وما بعد هذا إلا التلبيس على الجهال ، وإدخال الشك عليهم في معنى كلمة الإخلاص ؛ فكابر المعقول والمنقول بدفعه ما جاء به كل رسول ) .



                  يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( فصل في ذكر الله ودعائه : وأبعد من ذلك ذكر‏ ‏الاسم المضمر‏ وهو‏ :[هو‏ ] ‏‏، فإن هذا بنفسه لا يدل على معين ، وإنما هو بحسب ما يفسره من مذكور أو معلوم فيبقى معناه بحسب قصد المتكلم ونيته ؛ ولهذا قد يذكر به من يعتقد أن الحق الوجود المطلق‏ ، وقد يقول‏ :[ لا هو إلا هو] ويسرى قلبه في[وحدة الوجود ] ومذهب فرعون والإسماعيلية وزنادقة هؤلاء المتصوفة المتأخرين بحيث يكون قوله ‏:[هو‏ ] كقوله‏ :‏ ‏[وجوده]‏‏ ، وقد يعني بقوله ‏:[ لا هو إلا هو] أي‏ :" أنه هو الوجود وأنه ما ثم خلق أصلًا ، وأن الرب والعبد والحق والخلق شيء واحد‏ " ، كما بينته من مذهب ‏(الاتحادية)‏ في غير هذا الموضع ، ومن أسباب هذه الاعتقادات والأحوال الفاسدة الخروج عن الشرعة والمنهاج الذي بعث به الرسول إلينا صلى الله عليه وسلم‏ ، فإن البدع هي‏ :" مبادئ الكفر ومظان الكفر" ، كما أن السنن المشروعة هي ‏: " مظاهر الإيمان ومقوية للإيمان ؛ فإنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية "، كما أخبر اللّه عن زيادته في مثل قوله‏ :]‏ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا[، وقوله‏ :]أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا[ ، وقوله‏ :] ‏هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ[‏ ‏ وغير ذلك‏ ، فإن قيل‏ :إذا لم يكن هذا الذكر مشروعًا‏ فهل هو مكروه ‏؟‏
                  قلت:‏ أما في حق المغلوب فلا يوصف بكراهة ؛ فإنه قد يعرض للقلب أحوال يتعسر عليه فيها نطق اللسان مع امتلاء القلب بأحوال الإيمان ، وربما تيسر عليه ذكر الاسم المجرد دون الكلمة التامة ، وهؤلاء يأتون على ما في قلوبهم من أحوال الإيمان وما قدروا عليه من نطق اللسان ، فإن الناس في الذكر أربع طبقات ‏.
                  إحداها:الذكر بالقلب واللسان ، وهو المأمور به.
                  الثاني:الذكر بالقلب فقط ، فإن كان مع عجز اللسان فحسن وإن كان مع قدرته فترك للأفضل.
                  الثالث‏:الذكر باللسان فقط ، وهو كون لسانه رطبًا بذكر اللّه ، وفيه حكاية التي لم تجد الملائكة فيه خيرًا إلا حركة لسانه بذكر اللّه‏ ، ويقول اللّه تعالى ‏:‏ ‏(أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه) ‏‏.
                  الرابع:عدم الأمرين وهو حال الخاسرين ‏.

                  وأما مع تيسر الكلمة التامة فالاقتصار على مجرد الاسم مكررًا بدعة ، والأصل في البدع الكراهة ‏، وما نقل عن أبي يزيد والنوري والشبلي وغيرهم‏ :‏ من ذكر الاسم المجرد ، فمحمول على أنهم مغلوبون ، فإن أحوالهم تشهد بذلك ، مع أن المشايخ الذين هم أصح من هؤلاء وأكمل لم يذكروا إلا الكلمة التامة ، وعند التنازع يجب الرد إلى اللّه والرسول ، وليس فعل غير الرسول حجة على الإطلاق‏ ،‏ واللّه أعلم ) .


                  ويقول رحمه الله تعالى : ( فَصْل في أحوال أهل الضلال والبدع : فالذين يقولون بوحدة الوجود متنازعون في أمور ، لكن إمامهم ابن عربي يقول ‏:" الأعيان ثابتة في العدم ووجود الحق فاض عليها " ؛ فلهذا قال ‏:" فنحن جعلناه بمألوهيتنا إلهاً " ، فزعم أن المخلوقات جعلت الرب إلهًا لها حيث كانوا مألوهين ، ومعنى مألوهين - عنده - مربوبين ، وكونهم مألوهين حيث كانت أعيانهم ثابتة في العدم ‏، وفي كلامهم من هذا وأمثاله مما فيه تنقص بالربوبية ما لا يحصى ، فتعالى اللّه عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا‏ ، والتحقيق أن اللّه خالق كل شيء،والمعدوم ليس بشيء في الخارج، ولكن اللّه يعلم ما يكون قبل أن يكون ويكتبه ، وقد يذكره ويخبر به فيكون سببًا في العلم والذكر والكتاب لا في الخارج ، كما قال‏ :]إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏[‏ ‏‏، واللّه سبحانه خالق الإنسان ومعلمه فهو الذي : ]خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ[ ، وهو : ] ‏الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ[ ، ولو قدر أن الإله بمعنى الرب فهو الذي جعل المربوب مربوبًا ، فيكون على هذا هو الذي جعل المألوه مألوهًا ، و المربوب لم يجعله ربًا ، بل ربوبيته صفة ، وهو الذي خلق المربوب وجعله مربوبًا ؛ وهو إذا آمن بالرب واعتقد ربوبيته وأخبر بها كان قد اتخذ اللّه ربا ولم يبغ ربا سوى اللّه ولم يتخذ ربًا سواه ، كما قال تعالى : ] ‏الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ[ ، قال تعالى‏ :]قُلْ أَغيرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ[ ، وقال‏: ]وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ[ ‏‏، وهو أيضًا في نفسه هو الإله الحق لا إله غيره ، فإذا عبده الإنسان فقد وَحَّده من لم يجعل معه إلهًا آخر ولا اتخذ إلهًا غيره ، قال تعالى ‏:]‏ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ[ ، وقال تعالى : ] لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً [ ، وقال إبراهيم لأبيه آزر: ] أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ [، " فالمخلوق ليس بإله في نفسه ، لكن عابده اتخذه إلهًا وجعله إلهًا وسماه إلهًا " وذلك كله باطل لا ينفع صاحبه بل يضره ، كما أن الجاهل إذا اتخذ إمامًا ومفتيًا وقاضيًا كان ذلك باطلاً ؛ فإنه لا يصلح أن يؤم ولا يفتى ولا يقضى ، وغير اللّه لا يصلح أن يتخذ إلهًا يعبد ويدعى ، فإنه لا يخلق ولا يرزق ، وهو سبحانه لا مانع لما أعطى ، ولا معطى لما منع ، ولا ينفع ذا الجَدِّ منه الجَدُّ ‏، ولهذا يكثر في هؤلاء من له كشف وتأثير وخرق عادة مع انحلال عن بعض الشريعة ، ومخالفة لبعض الأمر ، وإذا أوغل الرجل منهم دخل في الإباحية والانحلال ، وربما صعد إلى فساد التوحيد فيخرج إلى الاتحاد والحلول المقيد ، كما قد وقع لكثير من الشيوخ ، ويوجد في كلام صاحب [ منازل السائرين ] وغيره ما يفضي إلى ذلك ‏، وقد يدخل بعضهم في ‏(الاتحاد المطلق والقول بوحدة الوجود)‏ فيعتقد أن اللّه هو الوجود المطلق ، كما يقول صاحب ‏[الفتوحات المكية]‏ في أولها ‏:

                  00000000000000000000000000000000000000000000000000 0000000000000الرب حق والعبد حـق0000000000000000000000000 ياليت شعري من المكلف
                  00000000000000000000000000000000000000000000000000 0000000000000إن قلت عبد فذاك ميت0000000000000000000000000أو قلت رب أنى يكلـف .. ) .


                  ويقول رحمه الله : ( فصل في قوله صلى الله عليه وسلم (فحج آدم موسى)لما احتج عليه بالقدر: ومن هؤلاء الاتحادية الذين يقولون‏ :‏ الوجود واحد، ثم يقولون‏ :( بعضه أفضل من بعض والأفضل يستحق أن يكون ربًا للمفضول ) ، ويقولون‏ :( إن فرعون كان صادقًا في قوله: ]أنا ربكم الأعلى [) وهذا قول طائفة من ملاحدة المتصوفة المتفلسفة الاتحادية ، كالتلمساني ، والقول بالاتحاد العام المسمى وحدة الوجود ، هو قول ابن عربي الطائي وصاحبه القونوي وابن سبعين وابن الفارض وأمثالهم ، لكن لهم في المعاد والجزاء نزاع ، كما أن لهم نزاعًا في أن الوجود هل هو شيء غير الذوات أم لا ‏؟‏ وهؤلاء ضلوا من وجوه ‏:‏ منها جهة عدم الفرق بين الوجود الخالق والمخلوق) .



                  ويقول في شرح سورة النساء : ( ومن هنا وقع منهم خلق كثير في المعاصي ، وآخرون في الفسوق ، وآخرون في الكفر ، حتى جَوَّزوا عبادة الأصنام‏ .
                  ثم كثير منهم من ينتقل إلى وحدة الوجود ، وهم الذين خالفوا الجنيد وأئمة الدين في التوحيد ، فلم يفرقوا بين القديم والمحدث ‏، وهؤلاء صرحوا بعبادة كل موجود - كما قد بسط الكلام عليهم في غير هذا الموضع - وهو قول أهل الوحدة ، كابن عربي الحاتمي ، وابن سبعين ، والقونوي ، والتلمسانى ، والبليانى ، وابن الفارض ، وأمثالهم‏ ) .

                  ويقول رحمه الله : ( فصل شرح حديث عمران بن حصين : الوجه العاشر ‏:‏ أنه قد زاد فيه بعض الناس ‏:‏ ‏(وهو الآن على ما عليه كان‏ )، وهذه الزيادة إنما زادها بعض الناس من عنده ، وليست في شيء من الروايات ‏، ثم إن منهم من " يتأولها " على أنه ليس معه الآن موجود ، بل وجوده عين وجود المخلوقات ، كما يقوله أهل وحدة الوجود الذين يقولون ‏: "عين وجود الخالق هو عين وجود المخلوق " ، كما يقوله ابن عربي ، وابن سبعين ، والقَوْنَوِي ، والتلمساني ، وابن الفارض ، ونحوهم‏ ، وهذا القول مما يعلم بالاضطرار شرعا وعقلا أنه باطل‏ ) .

                  ---------
                  انظر ما جاء عن شيخ الإسلام رحمه الله في هذه المسألة في :
                  - در ء تعارض العقل والنقل .
                  - بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية .
                  - حقيقة مذهب الاتحاديّين " مجموعة رسائل ومسائل الشيخ رحمه الله".
                  - الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان .
                  - الصفدية .
                  - الرد على المنطقيين .
                  - قاعدة في المحبّة " مجموعة رسائل ومسائل الشيخ رحمه الله ".
                  - مجموع الفتاوى .



                  يتبع بإذن الله تعالى ..

                  تعليق


                  • #10
                    *************
                    عقيدتهم بصفات الله سبحانه وتعالى
                    (1)

                    يقول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في الجزء الأول من [ مدارج السالكين ] : ( وقال تعالى : ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ أي هالك ذاهب ، ولكن القوم اصطلحوا على وضع هذه اللفظة لتجريد شهود الحقيقة الكونية والغيبة عن شهود الكائنات ، وهذا الاسم يطلق على ثلاثة معان :
                    - الفناء عن وجود السوى .
                    - والفناء عن شهود السوى .
                    - والفناء عن إرادة السوى.

                    فأما الفناء عن وجود السوى : فهو فناء الملاحدة القائلين بوحدة الوجود وأنه ما ثم غير ، وأن غاية العارفين والسالكين الفناء في الوحدة المطلقة ونفي التكثر والتعدد عن الوجود بكل اعتبار ، فلا يشهد غيرا أصلا بل يشهد وجود العبد عين وجود الرب بل ليس عندهم في الحقيقة رب وعبد ، وفناء هذه الطائفة في شهود الوجود كله واحد وهو الواجب بنفسه ما ثم وجودان " ممكن " و " واجب " ولا يفرقون بين كون وجود المخلوقات بالله وبين كون وجودها هو عين وجوده ، وليس عندهم فرقان بين " العالمين " و"رب العالمين" ويجعلون الأمر والنهي للمحجوبين عن شهودهم وفنائهم ، والأمر والنهي تلبيس عندهم والمحجوب عندهم يشهد أفعاله طاعات أو معاص ما دام في مقام الفرق ، فإذا ارتفعت درجته شهد أفعاله كلها طاعات لا معصية فيها لشهوده الحقيقة الكونية الشاملة لكل موجود فإذا ارتفعت درجته عندهم فلا طاعة ولا معصية بل ارتفعت الطاعات والمعاصي لأنها تستلزم اثنينية وتعددا وتستلزم مطيعا ومطاعا وعاصيا ومعصيا وهذا عندهم محض الشرك والتوحيد المحض يأباه فهذا فناء هذه الطائفة ) .
                    قلت ( ضياء ) : ثم أكمل رحمه الله حديثه حول الفناء عن الشهود ، والإرادة السوى .


                    جاء في [ الدرر السنية ] رسالة الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله تعالى في صحيفة 346 قال فيها : ( بسـم الله الرحمـن الرحيـم ، الحمد لله على إعانته وتسديده ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، شهادة : من عادى كل مشرك ، ودان بإبطال تنديده ؛ وصلى الله وسلم على عبده ورسوله ، محمد ، خير خلقه ، وأفضل عبيده ، المبعوث بالدعوة إلى دين ربه ، وبيان توحيده .
                    أما بعد : فإنه قد وصل إلينا ، رسالة من بعض الإخوان من أهل القصيم ، ذكر أنه ألقى إليه ما فيها : بعض الملحدين ، أن : الإمام أحمد ، ومالك ، والشافعي ، وأبا حنيفة ، والعلماء مثلهم ، تكلموا في الصفات ، كابن عربي ، وابن الفارض ، وابن سبعين ، والتلمساني ، كلهم خاضوا في الصفات ؛ فالأئمة الأربعة ، قالوا : " سميع ، بصير ، غفور ، رحيم ، عليم ، حليم " ؛ وأن كلامهم مشابه لكلام ابن عربي ، وإخوانه ؛ لأنهم يقولون ذلك ؛ وكلهم ، أطلقوا : " أن لله صفات مشابهة لصفات العبد ؛ لأن العبد يسمى : " ( سميعاً ، بصيراً ، حليماً ، عليماً ) " ، فإذا قلتم : إنهم في القول سواء ؛ فكيف وجه تبديعهم ؟ وتضليلهم ؟ وتكفيرهم ؟ وقد وصفوا الله بما وصف به نفسه ؟! فإن ابن عربي ، والإمام أحمد ، كلهم مسلمون ، يقتدى بهؤلاء ، مثلما يقتدى بهؤلاء ؛ وما الحكم في هذا القائل ؟ والحديث الذي يروى عن أبي هريرة : ( أن الله لما خلق الخلق ، أخذ الرحم بحقوه ، فقال : " مه " ، فقالت : " هذا مقام العائذ بك من القطيعة " ) ، وهل صح أنه قال : " خلق الله آدم على صورته " ؟ وهل يفسر العجب بالرضا ؟ ، فنقول : ﴿ سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ﴾ ، مورد هذا السؤال إما يكون من أبله الناس ، وأشدهم بلادة ، فكأنه لا شعور له بالمحسوسات ؛ فإن الفرق بين ما عليه الصحابة ، والتابعون ، وأتباعهم ، والأئمة الأربعة ، وإخوانهم ؛ وما عليه ابن عربي ، وابن الفارض ، والتلمساني ، وابن سبعين ، وأتباعهم أمر معلوم عند من قرأ القرآن ، ودخل في قلبه الإيمان ؛ فإما أن يكون هذا المورد ، من جنس الأنعام السارحة ، أو يكون من أتباع ابن عربي ، وإخوانه ، من أهل وحدة الوجود ، وأراد التلبيس على خفافيش البصائر ؛ فينبغي بيان ما عليه الطائفتان ، فاعلم : أن الذي عليه الصحابة ، والتابعون ، وأتباعهم ، والأئمة الأربعة ، وجميع أهل السنة والجماعة ، في جميع الأعصار ، والأقطار أنهم يعتقدون : " ما دل عليه الكتاب والسنة من أسماء الرب تعالى وصفاته ، وأفعاله ، ويثبتونه لله ، على ما يليق بجلاله " ، مع اعتقادهم : " أنه دال على معان كاملة ، ثابتة في نفس الأمر ، من غير تحريف ، ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ، ولا تمثيل " ، بل يعتقدون :" أن الله لا يشبهه شيء ، لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله ؛ فمن شبه الله بخلقه ، فقد كفر ؛ ومن جحد ما وصف الله به نفسه ، فقد كفر ؛ وليس ما وصف الله به نفسه ، أو وصفه به رسوله تشبيهاً " ، ويعتقدون :" أن الله مستوٍ على عرشه ، بائن من خلقه ، ليس في مخلوقاته شيء من ذاته ، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته ، وأن العرش فوق جميع المخلوقات " ، و يؤمنون :"بعموم مشيئة الرب ، وسبق قضائه وقدره ، وأن جميع ما في الكون ، من خير ، وشر ، كله بقضاء الله وقدره ، وداخل تحت مشيئته الكونية القدرية ؛ وأنه أمر بالإيمان به ، وطاعته ، وطاعة رسوله ، ويحب الإيمان ، والمؤمنين ، ويحب المتقين ، ويحب الصابرين ، ونحو ذلك ؛ ويبغض الكفر ، والمعاصي ، وينهى عنها ؛ ورتب على ذلك الثواب ، والعقاب " ، هذا حاصل معتقد أهل السنة والجماعة ؛ وهم :"الفرقة الناجية" وهم : "أهل الصراط المستقيم" ؛ وأما من خالفهم ، من أهل البدع ، والضلالات ، فلهم أهواء مختلفة ، وآراء مشتتة ؛ وهي التي قال الله فيها : ﴿ ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله﴾ ، والكلام الآن فيما عليه أهل " وحدة الوجود " ابن عربي ، وابن الفارض ، والتلمساني ، وإخوانهم ؛ لأنه الذي تضمنه السؤال ؛ فنقول : مذهب هذه "الطائفة الملعونة" أن الرب تعالى وتقدس " هو عين الوجود ويصرحون في كتبهم : " أن وجود الرب هو عين وجود السماوات والأرض والجبال والبحار وجميع الموجودات هي عين الرب عندهم "!
                    فليس عندهم رب وعبد ! ولا خالق ومخلوق !! وقد قال العلامة : ابن القيم رحمه الله تعالى آمين :
                    ...............فالقوم ما صانوه عن إنس ولا جن ولا شجـر ولا حيـوان
                    ...............لكنه المطعوم والملبوس والمشمـــوم والمسـموع بالآذان
                    ...............وكذلك قالوا إنه المنكوح والمذبوح بل عين الغــوي الزاني
                    ...............والكفر عندهم هدى ولو أنـه دين المجوس وعابدي الأوثان
                    ...............قالوا وما عبدوا سواه وإنمـا ضلوا بمـا خصوا من الأعيـان
                    ...............ولو أنهم عموا وقالوا كلها معبـودة ما كـان من كفـران
                    ...............قالوا ولم يك كافراً في قوله أنا ربكم فرعون ذو الطغيــان
                    ...............بل كان حقاً قوله إذ كان عين الحق مضطلعاً بهذا الشــأن
                    ...............قالوا ولم يك منكراً موسى لما عبدوه من عجل لذي الخوران
                    ...............إلا على من كان ليس بعابد معهم وأصبح ضيق الأعطــان
                    ...............ولقد رأى إبليس عارفهم فأهوى بالسجود هوي ذي خضعان
                    ...............قالوا له ماذا صنعت ؟ فقال هل غير الإِلَه وأنتم عميـــان
                    ...............ما ثم غير فاسجدوا إن شئتم للشمس والشيطان والأصــنام
                    ...............فالكل عين الله عند محقق والكل معبود لذي العرفــــان
                    ...............هذا هو المعبود عندهم فقل سبحانك اللهم ذا السبحـــان


                    وقال أيضاً : واحتج يوماً بالقرآن عليهم شخص فقالوا : " الشرك في القرآن " .
                    [ضياء :يقصد قول العفيف التلمساني لكمال الدين المراغي رحمه الله ذلك القول القبيح ] .

                    فلينظر اللبيب ، إلى ما قاله هؤلاء ، من الكفر العظيم ، من كونهم يقولون : " إن ربهم هو المطعوم ، والملبوس ، والمشموم والمنكوح ، والمذبوح " ونحو ذلك ، تعالى الله وتقدس ، وأن الكفر ، هو الهدى ، وأن المجوس إنما عبدوا الله ، وإنما ضل من ضل بتخصيصه عبادته ببعض المخلوقات ، ولا يكون موحداً عندهم إلا من عبد جميع الموجودات .

                    ومن قولهم : إن فرعون" صادق "في قوله : ﴿ أنا ربكم الأعلى ، وأن موسى إنما أنكر على من " ترك " عبادة العجل ، وأنكر على هارون " إنكاره " عليهم ، وكذلك لما سجد بعض أعيانهم للشياطين وقال له بعضهم : كيف تسجد له ؟ أجابه : " بأنه عين الإِله " ، وأن من " سجد " للشمس ، والأوثان ، والشيطان ، فقد " سجد لله " ، ويقولون : إن جميع ما في الوجود من " الكلام "، هو " عين كلام الله " ؛ فجميع الأغاني ، والأشعار ، والسباب ، كله كلام الله ، كما قال بعضهم :

                    ...............وكل كلام في الوجـود كلامـه سـواء علينا نثره ونظامه


                    ويقولون : إن القرآن كله " شرك " ، لأنه " يفرق " بين الخالق والمخلوق ، والعابد والمعبود .
                    فتعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً ، وإذا تبين ذلك ، فمن لم يعرف الفرق بين هؤلاء وما ذهبوا إليه ، وما يقولونه في رب العزة والجلال ، وبين ما يقوله رسول الله وأصحابه والتابعون لهم ، " فلا حيلة فيه " ، فقول هذا " الملبس " : ابن عربي ، وأتباعه ، مسلمون ؛ والإِمام أحمد ، وأتباعه ، مسلمون ؛ يقتدى بهؤلاء ، مثلما يقتدى بهؤلاء ، من أعظم الزور ، وأقبح الفجور ؛ فإن الفرق بين الطائفتين ، والمقالتين أبعد مما بين المشرق والمغرب ، وقد قال الله تعالى : ﴿ أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار، وقال تعالى: ﴿ أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون ﴾ ، وقال: ﴿ أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون ، وقال تعالى: ﴿ وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلاً ما تتذكرون ونحو ذلك في القرآن كثير ، وأما قول هذا الزايغ : " إنالأئمة الأربعة ، خاضوا في الصفات " فقد كذب في ذلك وافترى ، فإن الله قد ذم الخوض وأهله ، كما قال تعالى : ﴿ وخضتم كالذي خاضوا ، وقال عن الكفار : ﴿ وكنا نخوض مع الخائضين ، وقال: ﴿ فذرهم يخوضوا ويلعبوا ، وقال: ﴿ وإذا رأيت الذين يخوضون في ءَاياتنا .

                    .. والأئمة الأربعة إنما تكلموا في صفات الرب " بإثباتها ، وإمرارها كما جاءت ، واعتقاد دلالة النصوص على معاني عظيمة ، تليق بجلال الرب وعظمته ، من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل " ؛ فمن سمى هذا خوضاً ، فهو من أعظم الملبسين ، ومن أكبر المفترين ، وقول هذا المفتري : " إن كلام الأئمة ، يشبه كلام ابن عربي" ، كذب ظاهر ، يعرفه كل مؤمن ) .

                    و أما قوله : " إنهم أطلقوا أن لله صفات مشابهة لصفات العبد ، لأن الله سمى نفسه : سميعاً ، بصيراً ، رحيماً ، عليماً ، حليماً ؛ وسمى بعض خلقه بذلك" ؛ فهذا : من أعظم التلبيس ، لوجهين :

                    الأول : أنه كذب على السلف ، والأئمة ، فإنهم لم يقولوا : " إن أسماء الرب ، تشبه أسماء الخلق ".
                    والثاني : أنه إذا قيل ، إن الله :" سميع ، بصير ، عليم ، حليم " ؛ وقيل في بعض المخلوقين مثل ذلك ، لم يلزم أن يكون الرب مشابهاً لخلقه ، ولا أن أسماءه ، وصفاته ، مشابهة لأسماء خلقه، وصفاتهم .

                    فليس "الرحيم" كالرحيم ؛ ولا "الحليم " كالحليم ؛ ولا "السميع" كالسميع ؛ ولا "البصير" كالبصير ؛ كذلك ليس "العلم" كالعلم ؛ ولا "السمع " كالسمع ؛ ولا "الحلم " كالحلم ؛ ولا "البصر" كالبصر ؛ فمن قال : " إن علم الرب وحلمه ، وسمعه ، وبصره " فهو كافر بالله العظيم بلا ريب ، بل علم الرب تعالى ، وحلمه ، وسمعه ، وبصره ، وجميع صفاته ، كاملة مبرأة من جميع العيوب والنقائص ، منـزهة عن ذلك ولا يعلم كيف هي إلا هو ؛ وعلم الكيفية ممتنع على جميع الخلق ، كما قال أعلم خلقه به : ( سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) ، وأما المخلوق " فهو ناقص ذاته وصفاته وأفعاله كلها ناقصة ويتطرق إليها الخلل ويجوز عليها العدم " ، بخلاف صفات الرب ، سبحانه وبحمده ، " ولا يلزم من الاتفاق في التسمية الاتفاق في الحقيقة والمسمى " وهذا هو الفرقان المبين ، بين أهل السنة والجماعة وأهل البدعة والضلالة .

                    فإن أهل البدع ، لما لم يفهموا من أسماء الرب وصفاته إلا ما يليق بالمخلوق، وظنوا أنهم إذا أثبتوا لله سمعاً وبصراً وقدرة وحلماً أن ذلك يلزم منه التشابه بين الخالق والمخلوق - تعالى الله وتقدس - فعند ذلك ذهبوا إلى تحريف النصوص وتأويلها ، ونفي ما دلت عليه ، مما يليق بالرب تعالى ، فأول مذهبهم " تشبيه وتمثيل " وآخره " تحريف وتعطيل" ، وأما أهل السنة والجماعة فقالوا : " نثبت لله ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله " مع اعتقادهم " أن ما يثبت لله لا يشبه ما يثبت لخلقه " لأنهم عرفوا كيفية المخلوق ، فعرفوا كيفية صفاته ؛ والرب يتعالى ويتقدس عن أن يعلم أحد كيفية ذاته أو صفاته ، ولهذا قال الإِمام مالك وقبله ربيعة ويروى عن أم سلمة : " الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإِيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة " .

                    وأما قوله : " إذا قلتم إنهم في القول سواء ، فما وجه تبديعهم ؟وتكفيرهم ؟وتضليلهم ؟ " ؛ فنقول : " معاذ الله أن نقول إنهم سواء " ، بل بينهم من الفرق أبعد مما بين السماء والأرض كما قال ابن القيم رحمه الله :

                    ...............والله ما استويا ولن يتلاقيا.....حتى تشيب مفارق الغربان

                    ولا يقول : " إن قول أهل السنة والجماعة كقول ابن عربي وأصحابه أهل وحدة الوجود " ، إلا من يقول : " إن قول موسى عليه السلام وقول فرعون اللعين سواء وما عليه أبو جهل وإخوانه نظير ما عليه الرسول وأصحابه " ؛ سبحانك هذا بهتان عظيم .

                    وأما قوله : " ما وجه تبديعهم وتكفيرهم ؟ " ؛ فنقول : قال الله تعالى : ﴿ لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم في موضعين ، وقال تعالى : ﴿ لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ، وقال تعالى : ﴿ ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ، فإذا كان الله قد كفّر من قال : "إن الله هو المسيح بن مريم " ؛ ومن قال : " إن الله ثالث ثلاثة " ؛ " ومن اتخذ الملائكة ، والنبيين أرباباً " ، فكيف لا يكفر من جعل جميع الخلق أرباباً وقال : " إن كل مخلوق هو الله ، حتى يسجد للشمس" ، ويقول : " إن المشركين إنما عبدوا الله " ، ويقول : " إن المخلوقات التي يستحيا من ذكرها هي ( الله ) " ؟! يا لله العجب ! .

                    ولقد أحسن من قال من السلف : " إن كفر هؤلاء أغلظ من كفر اليهود والنصارى " ؛ وقد قال ابن القيم رحمه الله تعالى :

                    ...............حاشا النصارى أن يكونوا مثلهم وهم الحمير أئمة الكفران
                    ...............هم خصصوه بالمسيح وأمه وأُلاءِ ما صانوه عن حيــوان

                    وأما الحديث الذي فيه : ( أن الله لما خلق الخلق قامت الرحم ) الخ ، وقوله : ( خلق الله آدم على صورته ) فهذه الأحاديث ثابتة ، ليس فيها ولله الحمد إشكال عند أهل السنة والجماعة ، وقد قال : ﴿ هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ءِايات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم ) ، وقد كان السلف يكرهون كثرة البحث عن مثل هذا ويقولون : " آمنا بالله وما جاء عن الله على مراد الله ، وآمنا برسول الله وما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله " ؛ وقال الراسخون في العلم : " آمنا به كل من عند ربنا ".

                    فالنصوص الصريحة في إثبات صفات الرب على ما يليق بجلاله وكماله واستوائه على عرشه وأنه فوق جميع مخلوقاته ، ونفي النقائص والعيوب عنه وعن صفاته ، معلومة مقررة ؛ وما أشكل من بعضها على بعض الناس " يكفيه الإِيمان به مع القطع بأنه لا يخالف ما ظهر له ولا يناقضه " ؛ وليحذر طالب الحق من كتب أهل البدع كالأشاعرة ، والمعتزلة ، ونحوهم ؛ فإن فيها من التشكيك والإِيهام ومخالفة نصوص الكتاب والسنةما أخرج كثيراً من الناس عن الصراط المستقيم ، نعوذ بالله من الخذلان ، وأما هذا الذي ألقى هذه الشبهة إليكم فيجب تعريفه وإقامة الحجة عليه بكلام الله تعالى وكلام رسوله وكلام أئمة الدين ؛ فإن اعترف بالحق وببطلان ما عليه أهل البدع ، من ( الاتحادية ) وغيرهم فهو المطلوب والحمد لله ، " وإن لم يفعل وجب هجره ومفارقته إن لم يتيسر قتله وإلقاؤه على مزبلة لئلا يتأذى بنتن ريحه أهل الإِسلام ".

                    وأما قـوله : " هل يفسر العجب بالرضا " ؟ جوابه أن يقال : ما جاء إطلاقه على الرب سبحانه ، من العجب ، والرضا ، والغضب ، والسخط ، ونحو ذلك فما يتعلق بمشيئته وإرادته ، " يجب إثباته على ما يليق بالله تعالى " ، مع نفي " التشبيه والتمثيل وإبطال التحريف والتعطيل " ؛ وأهل البدع قابلوا ذلك " بالتأويل " كما فعلوا بالأسماء والصفات ، والباب باب واحد عند أهل السنة والجماعة ، لا " يحرفون "، و لا " يشبهون "، ولا " يعطلون "، ولا " يكيفون " ؛ فعليك بطريقهم ، فإنها الصراط المستقيم ، الذي من سلكه فاز بالنعيم المقيم ، ومن أعرض عنه ، فهو من أصحاب الجحيم .

                    فهذا بعض ما حضرني في هذه المسألة مع قلة العلم وعدم المساعد وكثرة الاشتغال ، والمحل يقتضي مجلداً أو أكثر لشدة الحاجة وظهور الجهل ، وغربة السنة ومن يعرفها ، والله المستعان .

                    وليعلم الناظر إليه أن فيه مواضع ، قد يقال : " إن فيها نوع تكرير " ، والحامل عليه : " خفاء الحق ، وقلة الاهتدى إلى الصواب " ؛ ونسأل الله لنا ولكم التوفيق وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ) .



                    يتبع بإذنه تعالى ..

                    تعليق


                    • #11
                      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

                      نستمر في عرض فتاوى أهل السنة والجماعة في مسألة وحدة الوجود والتفصيل فيها ..



                      يستطرد الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله تعالى كما في [ الدرر السنية ] كلامه السابق فيقول : [ وأما قوله : " إنهم أطلقوا أن لله صفات مشابهة لصفات العبد ، لأن الله سمى نفسه : سميعاً ، بصيراً ، رحيماً ، عليماً ، حليماً ؛ وسمى بعض خلقه بذلك " ؛ فهذا : من أعظم التلبيس ، لوجهين :

                      الأول : أنه كذب على السلف ، والأئمة ، فإنهم لم يقولوا : " إن أسماء الرب ، تشبه أسماء الخلق ".
                      والثاني : أنه إذا قيل ، إن الله :" سميع ، بصير ، عليم ، حليم " ؛ وقيل في بعض المخلوقين مثل ذلك ، لم يلزم أن يكون الرب مشابهاً لخلقه ، ولا أن أسماءه ، وصفاته ، مشابهة لأسماء خلقه، وصفاتهم ، فليس " الرحيم " كالرحيم ؛ ولا " الحليم " كالحليم ؛ ولا " السميع " كالسميع ؛ ولا "البصير" كالبصير ؛ كذلك ليس " العلم " كالعلم ؛ ولا " السمع " كالسمع ؛ ولا " الحلم " كالحلم ؛ ولا "البصر" كالبصر ؛ فمن قال : " إن علم الرب وحلمه ، وسمعه ، وبصره " فهو كافر بالله العظيم بلا ريب ، بل علم الرب تعالى ، وحلمه ، وسمعه ، وبصره ، وجميع صفاته ، كاملة مبرأة من جميع العيوب والنقائص ، منـزهة عن ذلك ولا يعلم كيف هي إلا هو ؛ وعلم الكيفية ممتنع على جميع الخلق ، كما قال أعلم خلقه به : ( سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) ، وأما المخلوق " فهو ناقص ذاته وصفاته وأفعاله كلها ناقصة ويتطرق إليها الخلل ويجوز عليها العدم " ، بخلاف صفات الرب ، سبحانه وبحمده ، " ولا يلزم من الاتفاق في التسمية الاتفاق في الحقيقة والمسمى " وهذا هو الفرقان المبين ، بين أهل السنة والجماعة وأهل البدعة والضلالة ، فإن أهل البدع ، لما لم يفهموا من أسماء الرب وصفاته إلا ما يليق بالمخلوق، وظنوا أنهم إذا أثبتوا لله سمعاً وبصراً وقدرة وحلماً أن ذلك يلزم منه التشابه بين الخالق والمخلوق - تعالى الله وتقدس - فعند ذلك ذهبوا إلى تحريف النصوص وتأويلها ، ونفي ما دلت عليه ، مما يليق بالرب تعالى ، فأول مذهبهم " تشبيه وتمثيل " وآخره " تحريف وتعطيل" ، وأما أهل السنة والجماعة فقالوا : " نثبت لله ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله " مع اعتقادهم " أن ما يثبت لله لا يشبه ما يثبت لخلقه " لأنهم عرفوا كيفية المخلوق ، فعرفوا كيفية صفاته ؛ والرب يتعالى ويتقدس عن أن يعلم أحد كيفية ذاته أو صفاته ، ولهذا قال الإِمام مالك وقبله ربيعة ويروى عن أم سلمة : " الاستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإِيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ".

                      وأما قوله : " إذا قلتم إنهم في القول سواء ، فما وجه تبديعهم ؟ وتكفيرهم ؟وتضليلهم ؟ " ؛ فنقول : " معاذ الله أن نقول إنهم سواء " ، بل بينهم من الفرق أبعد مما بين السماء والأرض كما قال ابن القيم رحمه الله :

                      00000000000000000000000000000000000000000000000000 0000000000000والله ما استويا ولن يتلاقيا حتى تشيب مفارق الغربان

                      ولا يقول : " إن قول أهل السنة والجماعة كقول ابن عربي وأصحابه أهل وحدة الوجود " ، إلا من يقول : " إن قول موسى عليه السلام وقول فرعون اللعين سواء وما عليه أبو جهل وإخوانه نظير ما عليه الرسول وأصحابه " ؛ سبحانك هذا بهتان عظيم .

                      وأما قوله : " ما وجه تبديعهم وتكفيرهم ؟ " ؛ فنقول : قال الله تعالى : ﴿ لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم في موضعين ، وقال تعالى : ﴿ لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ، وقال تعالى : ﴿ ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ، فإذا كان الله قد كفّر من قال : "إن الله هو المسيح بن مريم " ؛ ومن قال : " إن الله ثالث ثلاثة " ؛ " ومن اتخذ الملائكة ، والنبيين أرباباً " ، فكيف لا يكفر من جعل جميع الخلق أرباباً وقال : " إن كل مخلوق هو الله ، حتى يسجد للشمس" ، ويقول : " إن المشركين إنما عبدوا الله " ، ويقول : " إن المخلوقات التي يستحيا من ذكرها هي ( الله ) " ؟! يا لله العجب ! ، ولقد أحسن من قال من السلف : " إن كفر هؤلاء أغلظ من كفر اليهود والنصارى " ؛ وقد قال ابن القيم رحمه الله تعالى :

                      00000000000000000000000000000000000000000000000000 0000000000000حاشا النصارى أن يكونوا مثلهم وهم الحمير أئمة الكفران
                      00000000000000000000000000000000000000000000000000 0000000000000هم خصصوه بالمسيح وأمه وأُلاءِ ما صانوه عن حيــوان


                      وأما الحديث الذي فيه : ( أن الله لما خلق الخلق قامت الرحم ) الخ ، وقوله : ( خلق الله آدم على صورته ) فهذه الأحاديث ثابتة ، ليس فيها ولله الحمد إشكال عند أهل السنة والجماعة ، وقد قال : ﴿ هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ءِايات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم ) ، وقد كان السلف يكرهون كثرة البحث عن مثل هذا ويقولون : " آمنا بالله وما جاء عن الله على مراد الله ، وآمنا برسول الله وما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله " ؛ وقال الراسخون في العلم : " آمنا به كل من عند ربنا "، فالنصوص الصريحة في إثبات صفات الرب على ما يليق بجلاله وكماله واستوائه على عرشه وأنه فوق جميع مخلوقاته ، ونفي النقائص والعيوب عنه وعن صفاته ، معلومة مقررة ؛ وما أشكل من بعضها على بعض الناس " يكفيه الإِيمان به مع القطع بأنه لا يخالف ما ظهر له ولا يناقضه " ؛ وليحذر طالب الحق من كتب أهل البدع كالأشاعرة ، والمعتزلة ، ونحوهم ؛ فإن فيها من التشكيك والإِيهام ومخالفة نصوص الكتاب والسنةما أخرج كثيراً من الناس عن الصراط المستقيم ، نعوذ بالله من الخذلان ، وأما هذا الذي ألقى هذه الشبهة إليكم فيجب تعريفه وإقامة الحجة عليه بكلام الله تعالى وكلام رسوله وكلام أئمة الدين ؛ فإن اعترف بالحق وببطلان ما عليه أهل البدع ، من ( الاتحادية ) وغيرهم فهو المطلوب والحمد لله ، " وإن لم يفعل وجب هجره ومفارقته إن لم يتيسر قتله وإلقاؤه على مزبلة لئلا يتأذى بنتن ريحه أهل الإِسلام ".

                      وأما قوله : " هل يفسر العجب بالرضا " ؟ جوابه أن يقال : ما جاء إطلاقه على الرب سبحانه ، من العجب ، والرضا ، والغضب ، والسخط ، ونحو ذلك فما يتعلق بمشيئته وإرادته ، " يجب إثباته على ما يليق بالله تعالى " ، مع نفي " التشبيه والتمثيل وإبطال التحريف والتعطيل " ؛ وأهل البدع قابلوا ذلك " بالتأويل " كما فعلوا بالأسماء والصفات ، والباب باب واحد عند أهل السنة والجماعة ، لا " يحرفون "، و لا " يشبهون "، ولا " يعطلون "، ولا " يكيفون " ؛ فعليك بطريقهم ، فإنها الصراط المستقيم ، الذي من سلكه فاز بالنعيم المقيم ، ومن أعرض عنه ، فهو من أصحاب الجحيم ، فهذا بعض ما حضرني في هذه المسألة مع قلة العلم وعدم المساعد وكثرة الاشتغال ، والمحل يقتضي مجلداً أو أكثر لشدة الحاجة وظهور الجهل ، وغربة السنة ومن يعرفها ، والله المستعان .

                      وليعلم الناظر إليه أن فيه مواضع ، قد يقال : " إن فيها نوع تكرير " ، والحامل عليه : " خفاء الحق ، وقلة الاهتدى إلى الصواب " ؛ ونسأل الله لنا ولكم التوفيق وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ] .



                      يتبع بإذنه تعالى ..

                      تعليق


                      • #12
                        القسم الثاني


                        (2)


                        نكمل هذا الجزء من عقيدتهم بصفات الله عز وجل وطرحهم الشبهات تلو الشبهات تعصبا للهوى وإمعانا في الباطل .

                        فمن الشبهات التي يحتج بها القوم على تأيد مذهبهم ما ورد في صحيح مسلم رحمه الله حيث قال : ( حدثني محمد بن حاتم بن ميمون حدثنا بهز حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله عز وجل يقول يوم القيامة : " يا ابن آدم مرضت فلم تعدني " ، قال : يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين !،قال : " أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده ، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده ؟ يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني" ، قال : يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين !،قال : " أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه ، أما عملت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ؟ يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني " ،قال : يارب كيف أسقيك وأنت رب العالمين !،قال : " استسقاك عبدي فلان فلم تسقه ، أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي " ) .

                        والجواب على هكذا تخبط وتهويش قد كفانا إياه الإمام القاضي عياض في كتابه [ إكمال المعلم بفوائد مسلم ] صحيفة 39 من الجزء الثامن منه ، و قد تبعه الإمام النووي في ذلك في [ المنهاج ] رحمهم الله جميعا ، فقد قال القاضي : [ وقد فسر في هذا الحديث معنى المرض ، وأن المراد به مرض العبد المخلوق ، وإضافة الباري سبحانه [ ذلك ] إلى نفسه تشريفاً للعبد ، وتقريباً له ، والعرب إذا أرادت تشريف أحد أحلته محلها ، وعبرت عنه كما تعبر عن نفسها .

                        وأما قوله : [ لو عدته لوجدتني عنده ] فإنه يريد ثوابي وكرامتي ، وعبر عن ذلك بوجوده على جهة التجوز والاستعارة ، وكلاهما [ سائغ ] شائع في لسان العرب ، وعلى هذا المعنى يحمل قوله تعالى : ﴿ ووجد الله عندهيعنى مجازاة الله تعالى ، ومثل هذا كثير ] .

                        قلت ( ضياء ) : وقد تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه الشبهة وأخواتها كثيرا وأشبعها بحثاً وتأصيلا ،فرد أباطيلهم بنفس أسلحتهم ، بل وجردهم منها .

                        يقول القاضي عياض رحمه الله في معرض رده على الشبهة نفسها : [ وقد جاء في آخر الحديث في الإطعام : [ لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ] وكذلك قال في السقي أي ثواب ذلك وجزاؤه ، وهذا تفسير : [ لوجدتني عنده ] ] .

                        جاء في [ جواب أهل السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والزيدية ] للعلامة عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله مانصه : [ وأما ابن عربي وأمثاله من أهل وحدة الوجود، فهم ( من غُلاة الجهمية ) ، وإنما حملهم على ذلك ( المبالغة في إنكار الصفات ) ؛ وذلك أن الجهمية لما أنكروا أن يكون الله تكلم بالقرآن ، قالوا : " إن الله خلقه ، وأحدثه في بعض الأجسام ، فنسبة ذلك إلى الله مجاز ، فلزم أن يكون كلام جميع الخلق كلام الله ؛ لأنه خلق ذلك فيهم " .

                        ولهذا قال ابن عربي :


                        00000000000000000000000000000000000000000000000000 0000000000000سواء علينا نثره نظامه وكل كلام في الوجود كلامه


                        ومعلوم أن من خالف ما جاءت به الرسل عن الله بمجرد عقله ، ( فهو أولى بالكفر والجهل والتشبيه والتجسيم ) ممن لم يخالف ما جاءت به الرسل ، وإنما خالف ما علم بالعقل ؛ إن كان ذلك حقا ، كما قال بعض نُفَاةِ الصفات لما تأمل أحوال أصحابه ، وحال مثبتيها ، قال : ( لا ريب أن حال هؤلاء عند الله خير من حالنا ؛ فإنهم إن كانوا مصيبين نالوا الدرجات العالية ، والرضوان الأكبر ، وإن كانوا مخطئين ، فإنهم يقولون : " يا ربّ نحن صدقنا ما دل عليه كتابك وسنة رسولك ، إذ لم يتبين لنا بالكتاب والسنة نفي الصفات كما دل كلامك على إثباتها ) ".

                        فنحن أثبتنا ما دل عليه كلامك ، وكلام رسولك محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن كان الحق بخلاف ذلك، فلم يبين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم ما يخالف ذلك ، ولم يكن خلاف ذلك مما يعلم ببدائه العقول ، بل إن قُدِّرَ أنه حق ، فإنما يعلمه الأفراد ، فكيف والمخالفون في ذلك يقرون بالحيرة والارتياب ] .

                        يقول العلامة ابن القيم رحمه الله في [ الجواب الكافي ] صحيفة 153 : [ والشرك الأول نوعان أحدهما شرك التعطيل ، وهو أقبح أنواع الشرك , كشرك فرعون إذ قال : ﴿ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ وقال تعالى مخبراً عنه أنه قال لهامان : ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً ﴾ ، والشرك والتعطيل متلازمان , فكل معطل مشرك , لكن الشرك لا يستلزم أصل التعطيل , بل قد يكون المشرك مقرا بالخالق سبحانه وصفاته , ولكن عطل حق التوحيد .

                        وأصل الشرك وقاعدته التي ترجع إليها هو " التعطيل " وهو ثلاثة أقسام :
                        - تعطيل المصنوع عن صانعه وخالقه .
                        - وتعطيل الصانع سبحانه عن كماله المقدس بتعطيل أسمائه وأوصافه وأفعاله .
                        - وتعطيل معاملته عما يجب على العبد من حقيقة التوحيد .
                        o ومن هذا شرك طائفة أهل وحدة الوجود الذين يقولون : [ ما ثم خالق ومخلوق , ولا هاهنا شيئان , بل الحق المنزه وهو عين الخلق المشبه ] .
                        o ومنه شرك الملاحدة القائلين : [ بقدم العالم وأبديته , وأنه لم يكن معدوما أصلا , بل لم يزل ولا يزال ] ، والحوادث بأسرها مستندة عندهم إلى أسباب ووسائط اقتضيت إيجادها , ليسمونها العقول والنفوس .
                        o ومن هذا شرك [ من عطل أسماء الرب تعالى وأوصافه وأفعاله ] من غلاة الجهمية والقرامطة , فلم يثبتوا اسما ولا صفة , بل جعلوا المخلوق أكمل منه , إذا كمال الذات بأسمائها وصفاتها ] .

                        يقول العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله في المجلد السابع من [ شرح كشف الشبهات ] صحيفة 462 : [ وطائفة ممن تكلم في التوحيد على طريقة أهل التصوف ظنوا أن توحيد الربوبية هو الغاية والفناء فيه هو النهاية ، وأنه إذا شهد ذلك سقط عنه استحسان الحسن واستقباح القبيح فآل بهم الأمر إلى تعطيل الأمر والنهي والوعد والوعيد ، أولئك المبتدعون الذين أدخلوا في التوحيد نفي الصفات وهؤلاء الذين أخرجوا عنه متابعة الأمر ، إذا حققوا القولين أفضى بهم الأمر إلى أن لا يفرقوا بين الخالق والمخلوق بل يقولون بوحدة الوجود كما قاله أهل الإلحاد الذين يقول عُرَافَهم : " السالك في أول أمره يفرق بين الطاعة والمعصية " أي نظراً إلى الأمر " ثم يرى طاعة بلا معصية " أي نظراً إلى القدر " ثم لا طاعة ولا معصية " أي نظراً إلى أن الوجود واحد ولا يفرق بين الواحد بالعين والواحد بالنوع فإن الموجودات مشتركة في مسمى الوجود ، مع العلم الضروري أنه ليس عين وجود هذا الإنسان هو عين وجود هذا الفرس ، لكن بينهما قدر مشترك تشابها فيه قد يسمى كلياً مطلقاً وقدراً مشتركاً ونحو ذلك ، والله سبحانه بعث أنبياءه بإثبات مفصل ، ونفي مجمل ، فأثبتوا له الأسماء والصفات ونفوا عنه مماثلة المخلوقات ومن خالفهم من المعطلة المتفلسفة وغيرهم عكسوا القضية فجاءوا بنفي مفصل وإثبات مجمل يقولون : " ليس كذا ليس كذا ليس كذا " ، فإذا أرادوا إثباته قالوا : " وجود مطلق بشرط النفي أو بشرط الإطلاق " ، وهم يقرون في منطقهم اليوناني" أن المطلق بشرط الإطلاق لا يكون في الخارج " ، وأما الرسل فطريقتهم طريقة القرآن قال الله تعالى : ﴿ سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين ﴾ ، فليجتهد المؤمن في تحقيق العلم والإيمان وليتخذ الله هادياً ونصيراً وحاكماً وولياً فإنه نعم المولى ونعم النصير وكفى بربك هادياً ونصيراً ] .


                        يتبع بإذن الله تعالى ..

                        تعليق


                        • #13
                          جزا الله الاخ ضياء خير الجزاء على ما يقدمه من مواضيع طيبة نسال الله ان يجعلها في ميزان حسناتة
                          عندي ملاحظة ايها الاخوة وهو ما يتعلق بشبكة الاثري الذي هالني ما فيها من حقد على اهل السنة وعلمائها في اليمن وغير اليمن فانا اقترح ان يكون هناك ملف خاص بتلك الشبكة الفاجرة اي والله الفاجرة لانني لم اجد فيهاالا الحقد والفجور بدون ما سبب حقدا فاق حقد الروافض والباطنيين وربما اليهود والنصارى ولا حول ولا قوة الا بالله

                          تعليق


                          • #14
                            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
                            باركـ الله فيكـ أخانا فواز
                            ....

                            القسم الثالث


                            (3)



                            أفتتح بدفع العلامة ابن القيم رحمه الله شبهة اشتهرت عن أحد الأعلام كما في الجزء الأول من [ مدارج السالكين ] صحيفة 264 : ( وصاحب ( المنازل ) رحمه الله ‏[ضياء : أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي الحنبلي ، واسم الكتاب " منازل السائرين إلى الحق المبين" ] كان شديد الإثبات للأسماء والصفات مضادا للجهمية من كل وجه ؛ وله كتاب ( الفاروق )[ضياء : " الفاروق في صفات الله" ] استوعب فيه أحاديث الصفات وآثارها ولم يسبق إلى مثله ؛ وكتاب ( ذم الكلام وأهله ) طريقته فيه أحسن طريقة وكتاب لطيف في أصول الدين يسلك فيه طريقة أهل الإثبات ويقررها ، وله مع الجهمية المقامات المشهودة وسعوا بقتله إلى السلطان مرارا عديدة والله يعصمه منهم ، ورموه بالتشبيه والتجسيم على عادة بهت الجهمية والمعتزلة لأهل السنة والحديث الذين لم يتحيزوا إلى مقالة غير ما دل عليه الكتاب والسنة ؛ ولكنه رحمه الله كانت طريقته في السلوك مضادة لطريقته في الأسماء والصفات فإنه لا يقدم على الفناء شيئا ويراه الغاية التي يشمر إليها السالكون والعلم الذي يؤمه السائرون ، واستولى عليه ذوق الفناء وشهود الجمع وعظم موقعه عنده واتسعت إشاراته إليه وتنوعت به الطرق الموصلة إليه علما وحالا وذوقا فتضمن ذلك تعطيلا من العبودية باديا على صفحات كلامه وزان تعطيل الجهمية لما اقتضته أصولهم من نفي الصفات ؛ ولما اجتمع التعطيلان لمن اجتمعا له من السالكين تولد منهما القول بوحدة الوجود المتضمن لإنكار الصانع وصفاته وعبوديته وعصم الله أبا إسماعيل باعتصامه بطريقة السلف في إثبات الصفات فأشرف من عقبة الفناء على وادي الاتحاد بأرض الحلول فلم يسلك فيها ولوقوفه على عقبته وإشرافه على تلك الربوع الخراب ودعوة الخلق أقسمت إلى الوقوف على تلك العقبة الاتحادية بالله جهد أيمانهم إنه لمعهم ومنهم وحاشاه ؛ وتولى شرح كتابه أشدهم في الاتحاد طريقة وأعظمهم فيه مبالغة وعنادا لأهل الفرق " العفيف التلمساني " ونزل الجمع الذي يشير إليه صاحب المنازل على جمع الوجود وهو لم يرد به حيث ذكره إلا جمع الشهود ) .


                            نختم مشاركتنا اليوم بدرر وفوائد من كلام شيخ الإسلام رحمه الله كما في الجزء الثاني من مؤلفه الماتع [ اقتضاء الصراط المستقيم ] صحيفة 391 : ( أصل دين المسلم : أنه لا تخص بقعة بقصد العبادة إلا المساجد ؛ ولو كان الاحتجاج بالقدر مقبولاً ، لم يمكن للناس أن يعيشوا ، إذا كان لكل من اعتدى عليهم أن يحتج بذلك ، فيقبلوا عذره ولا يعاقبوه ولا يمكن اثنان من أهل هذا القول أن يعيشا ، إذ لكل منهما أن يقتل الآخر ، ويفسد جميع أموره ، محتجاً على ذلك بالقدر ؛ ثم إن أولئك المبتدعين ، الذين أدخلوا في التوحيد نفي الصفات ، وهؤلاء الذين أخرجوا عنه متابعة الأمر ، إذا حققوا القولين أفضى بهم الأمر إلى أن لا يفرقوا بين الخالق والمخلوق ، بل يقولون بوحدة الوجود ، كما قال أهل الإلحاد القائلين بالوحدة والحلول والاتحاد ، الذين يعظمون الأصنام وعابديها ، وفرعون وهامان وقومهما ، ويجعلون وجود خالق الأرض والسماوات هو وجود كل شيء من الموجودات ويدعون التوحيد والتحقيق والعرفان ،وهم من أعظم أهل الشرك والتلبيس والبهتان .

                            يقول عارفهم : " السالك في أول أمره يفرق بين الطاعة والمعصية " أي نظراً إلى الأمر " ثم يرى طاعة بلا معصية " أي نظراً إلى القدر " ثم لا طاعة ولا معصية " أي نظراً إلى أن الوجود واحد ، ولا يفرق بين الواحد بالعين والواحد بالنوع ، فإن الموجودات مشتركة في مسمى الوجود ) . [ضياء : هناك كلام مشابه ومفصل حول هذه العبارة لشيخ الإسلام للعلامة ابن عثيمين رحمه الله في شرحه على كشف الشبهات في المجلد السابع فليراجع ] .

                            يستطرد شيخ الإسلام رحمه الله فيقول عند ذكره لأقسام الوجود : (والوجود ينقسم إلى : - قائم بنفسه ، - وقائم بغيره ، - و واجب بنفسه ، - وممكن بنفسه) . [ضياء :كان شيخ الإسلام في الصفدية قد زاد على هذه الأقسام الأربعة " قديم " و " محدث " فليُراجع ، كذلك له كلام مشابه في العقيدة الأصفهانية حيث قال : ( وكل موجود إما قائم بنفسه وإما قائم بغيره ، وكل جسم إما متحرك وإما ساكن وإما حي وإما ميت ، وكل حي إما عالم وإما جاهل وإما قادر وإما عاجز وإما سميع وإما أصم وإما أعمى وإما بصير ، بل وكذلك كل موجودين فإما أن يكونا متجانسين وإما أن يكونا متباينين وأمثال هذه القضايا ) ] .

                            نكمل كلامه يرحمه الله : (كما أن الحيوانات مشتركة في مسمى الحيوان ، والأناس يشتركون في مسمى الإنسان ، مع العلم الضروري بأنه ليس عين وجود هذا الإنسان هو عين هذا الفرس ، بل ولا عين هذا الحيوان وحيوانيته وإنسانيته هو عين هذا الحيوان وحيوانيته وإنسانيته ، ولكن بينهما قدر مشترك تشابها فيه ، قد يسمى كلياً ومطلقاً وقدرا مشتركا، ونحو ذلك ؛ وهذا لا يكون في الخارج عن الأذهان كليا عاما مطلقاً ، بل لا يوجد إلا معيناً مشخصاً ، فكل موجود فله ما يخصه من حقيقته ، مما لا يشركه فيه غيره ، بل ليس بين موجودين في الخارج شيء بعينه اشتركا فيه ؛ ولكن تشابها ، ففي هذا نظير ما في هذا ، كما أن هذا نظير هذا ، وكل منهما متميز بذاته وصفاته عما سواه ؛ فكيف الخالق سبحانه وتعالى ؟ ؛ وهذا كله مبسوط في غير هذا الموضع البسط الذي يليق به ، فإنه مقام زلت فيه أقدام ، وضلت فيه أحلام ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) .

                            ثم يخلص رحمه الله إلى قوله : ( ومن أحكم الأصلين المتقدمين في الصفات ، والخلق ، والأمر ، فيميز بين المأمور [ المجبوب ] [ضياء : هكذا في الإقتضاء ] المرضي لله ، وبين غيره ، مع شمول القدر لهما ، وأثبت للخالق سبحانه الصفات التي توجب مباينته للمخلوقات ، وأنه ليس في مخلوقاته شيء من ذاته ، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته أثبت التوحيد الذي بعث الله به رسله ، وأنزل به كتبه ، ما تضمنته سورتا " الإخلاص " و " قل يا أيها الكافرون " ، كما نبه على ذلك في سورتي الإخلاص ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ و ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ؛ فإن ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تعدل ثلث القرآن ، إذ كان القرآن باعتبار معانية ثلاثة أثلاث : - ثلث توحيد ،- وثلث قصص ، - وثلث أمر ونهي ؛ لأن القرآن كلام الله والكلام : - إما إنشاء ،- وإما إخبار ؛ والإخبار : - إما عن الخالق ، - وإما عن المخلوق ؛ والإنشاء : - أمر ، - ونهي ، - و إباحة ؛ فقل هو الله أحد فيها ثلث التوحيد ، الذي هو خبر عن الخالق .


                            وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ) ، و عَدْلُ الشيء - بالفتح - يكون : " ما ساواه من غير جنسه " ، كما قال تعالى : ﴿ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً ﴾ ؛ وذلك يقتضي أن له من الثواب ما يساوي الثلث في القدر ، ولا يكون مثله في الصفة ، كمن معه ألف دينار وأخذ معه مايعدلها من الفضة والنحاس ، وغيرهما ؛ ولهذا يحتاج إلى سائر القرآن ، ولا تغني عنه هذه السورة مطلقاً ، كما يحتاج من معه نوع من المال إلى سائر الأنواه، إذ كان العبد محتاجاً إلى الأمر والنهي والقصص ؛ وسورة ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فيها " التوحيد القولي العلمي " الذي تدل عليه الأسماء والصفات ، ولهذا قال تعالى : ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ ، وقد بسطنا الكلام عليها في غير هذا الموضع ؛ وسورة ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ فيها " التوحيد القصدي العملي " ، كما قال تعالى : ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وبهذا يتميز من يعبد الله ممن يعبد غيره وإن كان كلاهما يقر بأن الله رب كل شيء ويتميز عباد الله المخلصون الذين لم يعبدوا إلا إياه ، ممن عبد غيره، وأشرك به أو نظر إلى القدر الشامل لكل شيء ، فسوى بين المؤمنين والكفار ، كما كان يفعل المشركون من العرب ؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : ( إنها براءة من الشرك ) ؛ وسورة ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فيها إثبات الذات ، وما لها من الأسماء والصفات الذي يتميز به مثبتو الرب الخالق ، الأحد الصمد ، من المعطلين له بالحقيقة نفاة الأسماء والصفات ، المضاهين لفرعون ، وأمثاله، ممن أظهر التعطيل والجحود للإله المعبود، وإن كان في الباطن يقر به، كما قال تعالى : ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً ، وقال موسى : ﴿ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً ؛ والله سبحانه بعث أنبياءه " بإثبات مفصل للصفات ونفي مجمل " ، فأثبتوا له الأسماء والصفات ، ونفوا عنه مماثلة المخلوقات ، ومن خالقهم من المعطلة المتفلسفة وغيرهم عكسوا القضية ، فجاءوا " بنفي مفصل وإثبات مجمل " ؛ يقولون : " كذا ، ليس كذا ، ليس كذا " ؛ فإذا أرادوا إثباته قالوا : " وجود مطلق بشرط النفي وبشرط الإطلاق " ؛ وهم يقرون في منطقهم اليوناني أن المطلق بشرط الإطلاق لا يكون في الخارج ، فليس في الخارج حيوان مطلق بشرط الإطلاق ، ولا إنسان مطلق بشرط الإطلاق ، ولا موجود مطلق بشرط الإطلاق ، بخلاف المطلق لا بشرط الذي يطلق على هذا وهذا ، وينقسم إلى هذا وهذا ؛ فإن هذا يقول : " إنه في الخارج " لكن لا يكون إلا معيناً مشخصاً ؛ أو يقولون : " إنه الوجود المشروط بنفي كل ثبوت عنه " فيكون مشاركاً لسائر الموجودات في مسمى الوجود ، متميزاً عنها بالعدم .

                            وكل موجود متميز بأمر ثبوتي ، والوجود خير من العدم ، فيكون أحقر الموجودات خيراً من هذا الذي ظنوه وجوداً واجباً ، هذا إذا أمكن تحقيقه في الخارج ؛ فكيف وذلك ممتنع ؟ لأن المتميز بين الموجودين لا يكون عدماً محضاً ، بل لا يكون إلا وجوداً ؛ فهؤلاء الذين يدعون أنهم أفضل المتأخرين ، من الفلاسفة المشائين يقولون في وجود واجب الوجود ، " ما يعلم بصريح العقول " الموافق لقوانينهم المنطقية أنه " قول بامتناع الوجود الواجب " وأنه " جمع بين النقيضين " وهذا في غاية الجهل والضلال ؛ وأما الرسل صلوات الله عليهم طريقتهم طريق القرآن ، قال سبحانه وتعالى : ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .

                            والله تعالى يخبر في كتابه أنه " حي " ، " قيوم " ، " عليم " ، " حكيم " ، " غفور " ، " رحيم " ، " سميع " ، " بصير " ، " علي " ، " عظيم " ، " خلق " السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم " استوى " على العرش ، " كلم " موسى تكليماً ، و " تجلى " للجبل فجعله دكا ؛ " يرضى " عن المؤمنين ، و " يغضب " على الكافرين إلى أمثال ذلك من الأسماء والصفات .

                            ويقول في النفي : ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ ،﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ، ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ﴾ ، ﴿ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً فنفى بذلك أن تكون صفاته كصفات المخلوقين ، وأنه ليس كمثله شيء ، لا في نفسه المقدسة ، المذكورة بأسمائه وصفاته ، ولا في شيء من صفاته ولا أفعاله ، ﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ﴾ ؛ فالمؤمن يؤمن بالله ، وما له من الأسماء الحسنى ، ويدعوه بها ، ويجتنب الإلحاد في أسمائه وآياته ، كما قال تعالى : ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ، وقال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا .

                            وهو يدعو الله وحده ، ويعبده وحده ، لا يشرك بعبادة ربه أحداً ؛ ويجتنب طريق المشركين الذين قال الله تعالى فيهم : ﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً ؛ وقال تعالى : ﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ، وهذه جمل لها تفاصيل ، ونكت تشير إلى خطب جليل ؛ فليجتهد المؤمن في تحقيق العلم والإيمان وليتخذ الله هادياً ونصيراً ، وحاكماً وولياً ، فإنه نعم المولى ونعم النصير وكفى بربك هادياً ونصيراً ) .

                            إلى هنا نكون قد أنهينا القسم الخاص بعقيدة أهل الوجود بصفات الله تعالى ، وسننتقل فيما بعد إلى الجزء الأخير من هذا الباب وهو " تكفير علماء أهل السنة لأصحاب هذه العقيدة المسخ "..

                            يتبع بإذنه تعالى ..

                            تعليق


                            • #15
                              ..
                              *********


                              تكفير علماء أهل السنة لأصحاب هذه العقيدة المسخ


                              ينقل لنا شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أقوال أهل العلم في هؤلاء وحكمهم عليهم وذلك كما ورد تحت عنوان "حكم الاتحادية ومن اعتذر عنهم " في كتاب [ توحيد الربوبية ] من مجموع فتاوى الشيخ رحمه الله :

                              - قطب الدين بن القسطلاني : يقول شيخ الإسلام : ( وحدثني صاحبنا الفقيه الصوفي أبو الحسن على بن قرباص ، أنه دخل على الشيخ قطب الدين بن القسطلاني ، فوجده يصنف كتابا‏ . فقال‏ :ما هذا؟ فقال :هذا في الرد على ابن سبعين ، وابن الفارض ، وأبي الحسن الجزلي ، والعفيف التلمساني) .

                              - شمس الدين الأصبهاني : يقول شيخ الإسلام : ( وحدثني [ أبو الحسن على بن قرباص ] : " أن الأصبهاني رأى معه كتابًا من كتبه فقال له ‏:" إن اقتنيت شيئا من كتبه فلا تجئ إليّ " أو ما هذا معناه ).

                              - جمال الدين بن واصل : يقول شيخ الإسلام : ( وحدثني [ أبو الحسن على بن قرباص ] : " أن ابن واصل لما ذكر كلامه في التفاحة ، التي انقلبت عن حوراء فتكلم معها أو جامعها فقال‏ :" والله الذي لا إله إلا هو ، يكذب" ولقد بر في يمينه " ).

                              - أبو محمد بن عبد السلام : يقول شيخ الإسلام : ( وحدثني صاحبنا العالم الفاضل أبو بكر بن سالار عن الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد - شيخ وقته - عن الإمام أبي محمد بن عبد السلام ، أنهم سألوه عن ابن عربي لما دخل مصر ، فقال ‏:" شيخ سوء كذاب مقبوح ، يقول بقدم العالم ، ولا يحرم فرجا‏ " .

                              - كمال الدين المراغي : يقول شيخ الإسلام : ( وحدثني الشيخ العالم العارف ، كمال الدين المراغي ، شيخ زمانه ، أنه لما قدم وبلغه كلام هؤلاء في التوحيد قال‏ : "قرأت على العفيف التلمساني من كلامهم شيئا ، فرأيته مخالفًا للكتاب والسنة ، فلما ذكرت ذلك له قال: "القرآن ليس فيه توحيد ، بل القرآن كله شرك ، ومن اتبع القرآن لم يصل إلى التوحيد " . قال‏ :" فقلت له‏ :ما الفرق عندكم بين الزوجة ، والأجنبية ، والأخت ، الكل واحد‏ ؟ " . ‏قال ‏:" لا فرق بين ذلك عندنا ، وإنما هؤلاء المحجوبون اعتقدوه حراما ، فقلنا‏ هو حرام عليهم عندهم ، وأما عندنا فما ثم حرام " .
                              وحدثني كمال الدين المراغي ، أنه لما تحدث مع التلمساني في هذا المذهب قال : " وكنت أقرأ عليه في ذلك‏ فإنهم كانوا قد عظموه عندنا ، ونحن مشتاقون إلى معرفة ‏[فصوص الحكم]‏ فلما صار يشرحه لي أقول: " هذا خلاف القرآن والأحاديث " . فقال‏ : "ارم هذا كله خلف الباب ، واحضر بقلب صاف ، حتى تتلقى هذا التوحيد " - أو كما قال - ، ثم خاف أن أشيع ذلك عنه ، فجاء إليَّ باكيا وقال: "اسْتُر عني ما سمعتَه مني" ) .

                              - أبو العباس الشاذلي : يقول شيخ الإسلام : ( وحدثني ـ أيضا ـ ‏[ كمال الدين المراغي ] ، أنه اجتمع بالشيخ أبي العباس الشاذلي ، تلميذ الشيخ أبي الحسن ، فقال عن التلمساني‏ : " هؤلاء كفار ، هؤلاء يعتقدون أن الصنعة هي الصانع ". قال ‏:" وكنت قد عزمت على أن أدخل الخلوة على يده ، فقلت‏ : "أنا لا آخذ عنه هذا ، وإنما أتعلم منه أدب الخلوة " . فقال لي ‏:" مثلك مثل من يريد أن يتقرب إلى السلطان ، على يد صاحب الأتون والزبال ، فإذا كان الزبال هو الذي يقربه إلى السلطان ، كيف يكون حاله عند السلطان ؟ " ) .

                              - تقي الدين ابن دقيق العيد : يقول شيخ الإسلام : ( وحدثنا ـ أيضا ـ ‏[ كمال الدين المراغي ] قال‏ :" قال لي قاضي القضاة تقي الدين ابن دقيق العيد‏ :‏ إنما استولت التتار على بلاد المشرق ، لظهور الفلسفة فيهم ، وضعف الشريعة . فقلت له‏ :ففي بلادكم مذهب هؤلاء الذين يقولون بالاتحاد، وهو شر من مذهب الفلاسفة؟‏ . فقال ‏:قول هؤلاء لا يقوله عاقل ، بل كل عاقل يعلم فساد قول هؤلاء - يعني أن فساده ظاهر - فلا يذكر هذا فيما يشتبه على العقلاء ، بخلاف مقالة الفلاسفة ، فإن فيها شيئا من المعقول ، وإن كانت فاسدة" ) .
                              وكان تقي الدين يقول ‏:" هو صاحب خيال واسع" .‏[ ضياء : يقصد بذلك العفيف التلمساني‏ ] ؛ حدثني بذلك غير واحد من الفقهاء المصريين ممن سمع كلام ابن دقيق العيد‏ ؛ وحدثني ابن بحير عن رشيد الدين سعيد وغيره أنه قال :" كان يستحل الكذب ، هذا أحسن أحواله ".[ ضياء : يقصد بذلك العفيف التلمساني‏ ]
                              .

                              - إبراهيم الجعبري : يقول شيخ الإسلام : ( وحدثني تاج الدين الأنباري ، الفقيه المصري الفاضل ، أنه سمع الشيخ إبراهيم الجعبري يقول‏ :" رأيت ابن عربي شيخا مخضوب اللحية ، وهو شيخ نجس ، يكفر بكل كتاب أنزله الله ، وكل نبي أرسله الله " .
                              وحدثني رشيد الدين بن المعلم عن الشيخ إبراهيم الجعبري :‏ أنه حضر ابن الفارض عند الموت وهو ينشد‏ :


                              إن كان منزلتي في الحب عندكم ما قد لقيت فقد ضيعت أيامي
                              أمنية ظفرت نفسي بها زمنا واليوم أحسبها أضغاث أحــلام

                              وحدثني الفقيه الفاضل تاج الدين الأنباري ، أنه سمع الشيخ إبراهيم الجعبري يقول‏ :" رأيت في منامي ابن عربي ، وابن الفارض ، وهما شيخان أعميان يمشيان ويتعثران ، ويقولان‏ : [ كيف الطريق ‏؟أين الطريق؟‏ ] " ) .


                              - نجم الدين بن الحكيم : يقول شيخ الإسلام : ( وحدثني شهاب الدين المزي ، عن شرف الدين بن الشيخ نجم الدين بن الحكيم عن أبيه أنه قال ‏:" قدمت دمشق فصادفت موت ابن عربي ، فرأيت جنازته كأنما ذر عليها الرماد ، فرأيتها لا تشبه جنائز الأولياء " أو قال ‏: " فعلمت أن هذه " أو نحو هذا‏ ) .

                              - إسماعيل الكوراني : وعن أبيه ‏[ نجم الدين بن الحكيم ] عن الشيخ إسماعيل الكوراني أنه كان يقول‏ : "ابن عربي شيطان" . وعنه أنه كان يقول عن الحريري ‏:" إنه شيطان" .

                              - رشيد الدين بن المعلم : يقول شيخ الإسلام : ( وحدثني الشيخ رشيد الدين بن المعلم أنه قال‏ :"كنت وأنا شاب بدمشق أسمع الناس يقولون عن ابن عربي ، والخسروشاهي ‏:" إن كليهما زنديق " أو كلامًا هذا معناه" ) .

                              - شرف الدين البازيلي : يقول شيخ الإسلام : ( وحدثني شهاب الدين عن القاضي شرف الدين البازيلي : " أن أباه كان ينهاه عن كلام ابن عربي ، وابن الفارض ، وابن سبعين" ) .


                              قلت ( ضياء ) : فهؤلاء ممن نقل عنهم شيخ الإسلام رحمه الله ذمهم وتكفيرهم لعقيدة وحدة الوجود وأصحابها ، فلا يخرجن علينا أحد من المتصوفة أو المتفلسفة من أشاعرة أو معتزلة أو ماتريدية بحجة واهية يرفع لواء حجته بعلم من علماء مذهبه وطريقته ، فلم أجد أبلغ من قول ابن دقيق العيد للمراغي : ( قول هؤلاء لا يقوله عاقل ، بل كل عاقل يعلم فساد قول هؤلاء فلا يذكر هذا فيما يشتبه على العقلاء ) . فجزاهم الله خيرا وأجزل لهم المثوبة وجمعنا وإياهم على منابر من نور ؛ نستطرد ما قال عنهم شيخ الإسلام رحمه الله تعالى كما في كتاب [ الإيمان الأوسط ] : ( وقد يقول أحدهم : ( العارف شهد أولا الطاعة والمعصية، ثم شهد طاعة بلا معصية ) - يريد بذلك طاعة القدر - كقول بعض شيوخهم : (أنا كافر برب يُعصى ) وقيل له عن بعض الظالمين ‏: (هذا ماله حرام ) فقال : (إن كان عصى الأمر فقد أطاع الإرادة ) ؛ ثم ينتقلون إلى المشهد الثالث‏ : (لا طاعة ولا معصية ) وهو مشهد أهل الوحدة القائلين بوحدة الوجود ، وهذا غاية إلحاد المبتدعة جهمية الصوفية ، كما أن القرامطة آخر إلحاد الشيعة ، وكلا الإلحادين يتقاربان‏ ، وفيها من الكفر ما ليس في دين اليهود والنصارى ومشركي العرب ، والله أعلم ).

                              ويقول رحمه الله تعالى كما في [ حكم المرتد ] : ( وأما شعر ابن الفارض : " فإنه كفر صريح " ، لأنه شاعر الاتحادية " الذين لا يفرقون بين العابد والمعبود والرب والمربوب " بل يقول بوحدة الوجود وهو من طائفة ابن عربي الذي قال فيهم ابن المقري الشافعي : " من شك في كفر طائفة ابن عربي ، فهو كافر " والله أعلم وصلى الله على محمد ، وآله وصحبه وسلم ) . اهـ

                              وفي سؤال وجهه البعض إلى علماء نجد حول أؤلئك القوم وأعلامهم فجاء الجواب كما في [ الدرر السنية ] صحيفة 20 - 21 حيث قال الجامع : ( وورد عليهم سؤال ، هذا نصه : " بلغنا أنكم تكفرون أناساً من العلماء المتقدمين مثل ابن الفارض وغيره وهو مشهور بالعلم من أهل السنة " ؛ فأجابوا : ما ذكرت أنّا نكفر ناساً من المتقدمين وغيرهم، فهذا من البهتان الذي أشاعه عنّا أعداؤنا ، ليجتالوا به الناس عن الصراط المستقيم ، كما نسبوا إلينا غير ذلك من البهتان أشياء كثيرة ؛ وجوابنا عليها أن نقول : ( سبحانك هذا بهتان عظيم ) ، ونحن لا نكفر إلا رجلاً عرف الحق وأنكره بعد ما قامت عليه الحجة ودعي إليه فلم يقبل وتمرد وعاند ، وما ذكر عنا من أنا نكفر غير من هذا حاله فهو كذب علينا ؛ وأما : ابن الفارض وأمثاله من الاتحادية " فليسوا من أهل السنة " بل لهم مقالات شنع بها عليهم أهل السنة وذكروا أن هذه الأقوال المنسوبة إليه كفريات منها قول ابن الفارض في التائية شعراً :

                              وإن خر للأصنام في البيد عاكف ::::: فلا تعني بالإِنكـار للعصبيــة ) .


                              انتهى كلامهم رحمهم الله ، ويؤكد كلامهم شيخ الإسلام رحمه الله تعالى كما في كتابه الأخير من [ حكم المرتد ] صحيفة 148 حيث قال : ( أن من اعتقد هذا على الظاهر " فهو مشرك كافر " ؛ وأما القائل : فيرد أمره إلى الله سبحانه ولا ينبغي التعرض للأموات لأنه لا يعلم هل تابوا أم لا ؛ وأما شعر ابن الفارض : فإنه كفر صريح ، لأنه شاعر الاتحادية ، الذين لا يفرقون بين العابد والمعبود ، والرب والمربوب ، بل يقول بوحدة الوجود ، وهو من طائفة ابن عربي ، الذي قال فيهم ابن المقري الشافعي : " من شك في كفر طائفة ابن عربي ، فهو كافر " ) .


                              وإن عبد النار المجوس فما انطفـت ::::: كما جاء في الأخبار من ألف حجة
                              فما عبدوا غيري وما كان قصدهم ::::: سواي وإن لم يضمروا عقـد نيـة

                              يقول رحمه الله تعالى معلقا على هاتين البيتين في صحيفة 22 - 23 : ( فمن أهل العلم من أساء به الظن بهذه الألفاظ وأمثالها ، ومنهم من تأول ألفاظه وحملها على غير ظاهرها وأحسن فيه الظن ، ومن أهل العلم والدين ، من أجرى ما صدر منه على ظاهره وقال : " هذه الأشعار ونحوها تتضمن مذهب أهل الاتحاد من القائلين بوحدة الوجود والحلول " كقصيدته المسماة ( نظم السلوك ) ومثل كثير من شعر ابن إسرائيل ، وابن عربي ، وابن سبعين ، والتلمساني ، وما يوافقها من النثر ، الموافق لمعناها ؛ فهذه الأشعار : من فهمها علم أنها كفر وإلحاد ، وأنها مناقضة للعقل والدين ؛ ومن لم يفهمها وعظم أهلها ، كان بمنزلة من سمع كلاماً لا يفهمه وعظمه ، وكان ذلك من دين اليهود والنصارى والمشركين ؛ وإن أراد أن يحرفها ويبدل مقصودهم بها ،كان من الكذابين الباهتين ، المحرفين لكلم هؤلاء عن مواضعه ، فلا يعظم هؤلاء وكلامهم ، إلا أحد رجلين :
                              - جاهل ضال .
                              - أو زنديق منافق .
                              وإلا فمن كان مؤمناً بالله ورسوله ، عالماً بمعاني كلامهم ، لا يقع منه إلا بغض هذا الكلام وإنكاره ، والتحذير منه ، وهذا كقول ابن الفارض : لها صلاتي في المقـام أقيمها وأشهـــد فيها أنهـا لي صلـت " ... الخ ، وذكر أبياتاً لابن إسرائيل وغيره ، ثم قال : " وحقيقة قول هؤلاء أنهم قالوا في مجموع الوجود أعظم مما قالته النصارى في المسيح فإن النصارى ادعوا أن اللاهوت الذي هو الله اتحد مع الناسوت وهو ناسوت المسيح أو حل فيه مع كفرهم الذي أخبر الله به كما قال : ﴿ لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم فهم مع هذا الكفر ، يقرون أن الله خلق السماوات والأرض ، وأنه مغاير للسماوات والأرض ، ويقولون : ( إنه قد حل في المسيح واتحد به ) وهؤلاء يقولون بالحلول والاتحاد في جميع العالم ولا يقرون أن للعالم صانعاًَ مبايناًَ له بل يقولون : ( وجود المخلوق هو وجود الخالق ) ويقولون في جميع المخلوقات نظير قول النصارى في المسيح ، لكن النصارى يثبتون خالقاً كان مبايناً للمسيح ، وهؤلاء لا يثبتون خالقاً مبايناً للمخلوقات ، فقولهم أعظم حلولاً واتحاداً ، وأكبر فساداً وإلحاداً من قول النصارى " انتهى ؛

                              فتأمل ( الكلام لشيخ الإسلام ) : كونه رحمه الله أطلق على هذا القول أنه كفر ، ولم يتعرض لتكفير قائله، فافهم الفرق ، لأن إطلاق الكفر على المعين ، الذي لم تقم عليه الحجة ، لا يجوز ، وأظن هذا الإِمام الذي قال فيهم هذا الكلام رحمه الله ، ظن أن الحجة لم تقم على قائل هذا الكلام ، وأن ابن الفارض ، وأمثاله ، لجهالتهم لا يعلمون ما في كلامهم ، ومذهبهم من الكفر ، ومن أحسن فيهم الظن ، من العلماء ، كما قدمنا ، حمل كلامهم على محامل غير هذه ، وأولها تأويلاً حسناً ، على غير ظاهرها ) ؛ انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى .

                              وهناك من يلصق هذه العقائد وهذه التهويشات بأعلام الأمة وسادتها لكي تنفق بضاعته على عوام الناس إن لم تنفق على العلماء ، ولا أدري لماذا هذا الجدل الذي نلقاه في بعضهم في هكذا دجل وكذب ؟!


                              يقول شيخ الإسلام رحمه الله كما في الجزء الثامن من [ منهاج السنة النبوية] صحيفة 41 : ( والمقصود هنا أن هؤلاء الملاحدة حقيقة قولهم " تعطيل الخالق " و " جحد حقيقة النبوات والمعاد والشرائع " و " ينتسبون إلى موالاة علي ويدعون أنه كان على هذه الأقوال " كما تدعى القدرية والجهمية والرافضة أنه كان على قولهم أيضا ، و " يدعون أن هذه الأقوال مأخوذة عنه " ، وهذا كله باطل كذب على علي رضي الله عنه ) .

                              يتبع بإذنه تعالى ..

                              ..
                              التعديل الأخير تم بواسطة ضياء بن محفوظ الشميري; الساعة 11-09-2008, 07:14 AM.

                              تعليق

                              يعمل...
                              X